الناس، قال: فجيء بابراهيم يحجل في قيوده، فوقف على طرف الإيوان فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، فقال المأمون: لا سلّم الله عليك ولا حفظك ولا كلأك ولا رعاك يا إبراهيم، فقال له: على رسلك يا أمير المؤمنين، فلقد أصبحت وليّ ثأري، والقدرة تذهب الحفيظة، ومن مدّ له الاغترار في الأمل هجمت به الأناة على التلف، وقد أصبح ذنبي فوق كلّ ذنب، كما أنّ عفوك فوق كلّ عفو. فإن عاقبت فبحقّك، وإن تعف فبفضلك.
قال: فأطرق مليّا ثم رفع رأسه وقال: إنّ هذين أشارا عليّ بقتلك؛ فإذا المعتصم والعباس بن المأمون، فقال له: يا أمير المؤمنين، أمّا حقيقة الرأي في معظم تدبير الخلافة والرياسة فقد أشارا به عليك، وما غشّاك إذ كان منّي ما كان، ولكن الله تعالى عوّدك من العفو عادة جريت عليها، دافعا ما تخاف بما ترجو، فكفاك الله يا أمير المؤمنين.
فتبسّم المأمون ثم قال لثمامة: إنّ من الكلام ما يفوق الدرّ ويغلب السحر، وإنّ كلام عمي منه. أطلقوا عن عمي قيوده وردّوه إليّ مكرّما. فلما ردّ إليه قال: يا عمّ صر إلى الأنس وارجع إلى المنادمة، فلن ترى أبدا منّي إلّا ما تحبّ.
«٣٧١» - وحدّث محمد بن الفضل الهاشمي قال: لما فرغ المأمون من خطابه دفعه إلى ابن أبي خالد الأحول وقال: هو صديقك فخذه إليك، فقال: وما تغني صداقتي عنه وأمير المؤمنين ساخط عليه؟! أما إني وإن كنت صديقا له لا أمتنع من قول الحقّ فيه. قال له: قل فإنّك غير متهم، فقال- وهو يريد التسلق على العفو عنه-: إن قتلته، فقد قتل الملوك قبلك أقلّ جرما منه، وإن عفوت عنه