هذا كتاب جمعته من نتائج الأفكار، وطرف الأخبار والآثار، ونظمت فيه فريد النثر ودرره، وضمنته مختار الشعر «١» ومحبّره، وأودعته غرر البلاغة وعيونها، وأبكار القرائح وعونها، وبدائع الحكم وفنونها، وغرائب الأحاديث وشجونها، حين بدّل الصفو بالكدر، وغيّرت بني الأيام الغير، وفسد الزمان، وخان الإخوان، وأوحش الأنيس، وخيف «٢» الجليس، وصار مكروه العزلة مندوبا، ومأثور الخلطة محظورا، وأضاءت آثار الوحدة في القلوب فأنارتها، وحكمت العقول بفضيلة التخلّي فاختارتها، فوجدت الكتاب خير صاحب وقرين، وأفضل رفيق وخدين، لا يخون ولا يمين، ولا يماكر ولا يناكر، ولا يعصي ولا ينافر، المفضي إليه بسرّه مستظهر آمن، والمصاحب له وادع ساكن، مأمون الهفوة والزلة، محمود الخلوة والخلّة، فهو لمن وفّق للاعتزال أسلم خليل، وأكرم أخ برّ وصول، ولمن سلب الايثار، وحكمت عليه غلبة الاضطرار، تذكرة للناسي، وتبصرة للساهي، وكلّ منهما يجد في هذا الكتاب لمراده مستمتعا، ويسلك منه إلى مراده نهجا متسعا، فسيتخرج «٣» منه أدبا يقدح من زناده قبسا، ويكشف بضيائه لبسا، وحكمة يدعو إليها مرغّبا ومفيدا، ومثلا شرودا، يورده دليلا لما جوري فيه وشهيدا، وحكاية يتمثل بها، ويجعلها قياسا «٤» لما سئل عنه وشبها، وأخلاقا كريمة تحثّ على اقتفائها فالخير مأثور اتباعه، أو لئيمة تنفّر بقبحها عن احتذائها فالشرّ يكفيك منه سماعه «٥» ، وسيرا وأخبارا تتمثّل «٦» بمعانيها، وتروّح القلوب لتعي الذكر بالتفكّر «٧» فيها، ونادرة يجلو بها صدأ القلوب، ويهزّ لها عطف السامع المكروب، وغير