للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ

(الأحزاب: ٢١) فرغب أقوام عن عيشه، وسخطوا ما رضي له ربه، فأبعدهم الله وسحقهم. ابن آدم طأ الأرض بقدمك فإنها عما قليل قبرك، واعلم أنك لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن أمك. رحم الله رجلا نظر فتفكر وتفكر فاعتبر واعتبر فأبصر وأبصر فصبر، فقد أبصر أقوام فلم يصبروا فذهب الجزع بقلوبهم فلم يدركوا ما طلبوا، ولم يرجعوا إلى ما فارقوا. يا ابن آدم اذكر قوله: وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً

(الإسراء:

١٣- ١٤) . عدل عليك من جعلك حسيب نفسك. لقد رأيت أقواما كانوا من حسناتهم أشفق من أن تردّ عليهم منكم من سيئاتكم أن تعذّبوا عليها وكانوا فيما أحلّ الله لهم من الدنيا أزهد منكم فيما حرّم عليكم. يا ابن آدم ليس الإيمان بالتحلّي ولا بالتمني، ولكنه ما وقر في القلب «١» وصدّقته الأعمال.

[٤٠٤]- وكان يقول: لا يستحقّ أحد حقيقة الإيمان حتى لا يعيب أحدا بعيب هو فيه، ولا يأمر بإصلاح عيوبهم حتى يبدأ بإصلاح ذلك في نفسه، فإنه إذا فعل ذلك لم يصلح عملا «٢» إلا وجد في نفسه عيبا آخر ينبغي أن يصلحه، فإذا فعل ذلك شغل بخاصة نفسه عن عيب غيره. وإنك ناظر إلى عملك خيره وشرّه فلا تحقرنّ شيئا من الخير وان صغر، فانك إذا رأيته سرّك مكانه، ولا تحقرنّ شيئا من الشرّ وإن صغر، فإنك إذا رأيته ساءك مكانه.

[٤٠٥]- وكان يقول: كان أهل الدنيا يبذلون دنياهم لأهل العلم رغبة في علمهم، فأصبح أهل العلم اليوم يبذلون علمهم لأهل الدنيا رغبة في


[٤٠٤] البيان والتبيين ٣: ١٣٥.
[٤٠٥] البيان والتبيين ٣: ١٣٦ وجامع بيان العلم ١: ٢٣١ (لأبي حازم) .

<<  <  ج: ص:  >  >>