الغافلين، اللهم لك خضعت قلوب العارفين، وذلّت هيبة المشتاقين، إلهي هب لي جودك وجللني بسترك، واعف عن تقصيري بكرم وجهك، قال: ثم قمنا وانصرفنا، فلمّا دخلت بغداد، وكان هو بالعراق، فقعدت على الشطّ أتوضأ للصلاة إذ مرّ بي رجل فقال لي: يا غلام أحسن وضوءك أحسن الله إليك في الدنيا والآخرة، فالتفتّ فإذا أنا برجل يتبعه جماعة، فأسرعت في وضوئي وجعلت أقفو أثره، فالتفت إليّ فقال: هل لك من حاجة؟ فقلت:
نعم تعلّمني مما علّمك الله شيئا، فقال لي: اعلم أنّ من صدق الله نجا، ومن أشفق على دينه سلم من الردى، ومن زهد في الدنيا قرّت عيناه بما يرى من ثواب الله غدا، أفلا أزيدك؟ قلت: بلى، قال: من كان فيه ثلاث خصال فقد استكمل الإيمان: من أمر بالمعروف وائتمر، ونهى عن المنكر وانتهى، وحافظ على حدود الله تعالى؛ ألا أزيدك؟ قلت: بلى، قال: كن في الدنيا زاهدا، وفي الآخرة راغبا، واصدق الله في جميع أمورك تنج مع الناجين، ثم مضى فسألت عنه من هذا؟ فقالوا: هو الشافعي.
[٤٩٥]- وسئل عن الرياء فقال على البديهة: الرياء فتنة عقدها الهوى حيال أبصار قلوب العلماء، فنظروا إليها بسوء اختيار النفوس فأحبطت أعمالهم.
[٤٩٦]- وقال الشافعي رضي الله عنه أيضا: إذا خفت على عملك العجب فاذكر رضا من تطلب، وفي أي نعيم ترغب، وأي عقارب ترهب، وأي عافية تشكر، وأي بلاء تذكر، فإنك إذا فكرت في واحد من هذه الخصال صغر في عينك عملك.
[٤٩٧]- وكان الشافعيّ ممن يريد بالفقه وجه الله لا السمعة «١» والرئاسة،