للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أشراف من أفناء قبائل العرب ذوي هيئة وشارة حسنة [١] ، ترتمي بنا المهارى ونحن نريد الحارث بن أبي شمر الغساني ملك الشام، فاخروّط بنا السير في حمارّة القيظ حتى إذا عصبت الأفواه، وذبلت الشفاه، وشوّلت [٢] المياه، وأذكت الجوزاء المعزاء، وذاب الصيّهد، وصرّ الجندب، وضاف العصفور الضبّ وجاوره في جحره [٣] ، وقال قائل: أيها الركب غوّروا بنا في ضوج هذا الوادي، وإذا واد قد بدا لنا كثير الدّغل، دائم الغلل، شجراؤه مغنّة، وأطياره مرنّة، فحططنا رحالنا بأصول دوحات كنهبلات متهدّلات، فأصبنا من فضلات المزاود وأتبعناها الماء السلس البارد، فإنّا لنصف حرّ يومنا ومماطلته، إذ صرّ أقصى الخيل أذنيه، وفحص الأرض بيديه، فو الله ما لبث أن جال ثم حمحم فبال، ثم فعل فعله الفرس الذي يليه واحدا فواحدا، فتضعضعت الخيل، وتكعكعت الإبل، وتقهقرت البغال، فمن نافر بشكاله، وناهض بعقاله، فعلمنا أن قد أتينا، وعلمنا أنه السبع، ففزع كلّ رجل منا إلى سيفه فاستلّه من جربّانه، ووقفنا رزدقا، فأقبل يتظالع كأنه مجنوب أو في هجار، لصدره نحيط، ولبلاعمه غطيط، ولطرفه وميض، ولأرساغه نقيض، كأنما يخبط هشيما، ويطأ صريما، وإذا هامة كالمجن، وخدّ كالمسنّ، وعينان سجراوان، وكأنهما سراجان يقدان، وقصرة ربلة، وكتد معبط، وزور مفرط، وساعد مجدول، وعضد مفتول، وكفّ شثنة البراثن، إلى مخالب كالمحاجن، فضرب بيده فأرهج، وكشر فأفرج عن أنياب كالمعاول مصقولة غير مفلولة، وفم أشدق، كالغار الأخرق، ثم تمطّى فأشرع بيديه، وحفز وركيه برجليه، حتى صار ظلّه مثليه، ثم أقعى فاقشعرّ، ثم مثل فاكفهرّ، ثم تجهّم فازبأرّ، فلا وذو بيته في السماء ما اتقيناه إلّا بأخ لنا من فزارة، كان ضخم الجزارة، فوقصه ثم نفضه نفضة


[١] جمهرة: ذوي هيئة حسنة وشارة جميلة.
[٢] جمهرة: وغاضت.
[٣] جمهرة: وجاره.

<<  <  ج: ص:  >  >>