خصيّ فقال له: يا أمير المؤمنين والله لقد سقط اليوم إلى عاتكة كتاب، فلما قرأته بكت ثم أخذته فجعلته تحت مصلاها، وما زالت خاثرة النفس منذ اليوم، فقال له: اذهب والطف لهذا الكتاب حتى تأتيني به، فانطلق الخصيّ فلم يزل حتى أصاب منها غرّة، فأخذ الكتاب وأقبل به إلى معاوية وإذا فيه:
[من الطويل]
أعاتك هلّا إذ بخلت فلم تري ... لذي صبوة زلفى لديك ولا حقّا
رددت فؤادا قد تولّى به الهوى ... وسكّنت عينا لا تملّ ولا ترقا
ولكن خلعت القلب بالوعد والمنى ... ولم أر يوما منك جودا ولا صدقا
أتنسين أيامي بربعك مدنفا ... صريعا بأرض الشام ذا جسد «١» ملقى
وليس صديق يرتضى لوصيّة ... وأدعو لأوتى بالشراب فما أسقى
وأكبر همي أن أرى لك مرسلا ... وطول نهاري جالس أرقب الطرقا
فواكبدي إذ ليس لي منك مجلس ... فأشكو الذي بي من هواك وما ألقى
فلما قرأ معاوية هذا الشعر، بعث إلى يزيد بن معاوية، فأتاه فدخل عليه، فوجده مطرقا، فقال: يا أمير المؤمنين ما هذا الإطراق الذي شجاك؟ فقال: أمر أرمضني وأقلقني منذ اليوم، وما أدري ما أنتم «٢» في شأنه، قال: وما هو؟ قال:
هذا الفاسق أبو دهبل كتب هذه الأبيات لأختك عاتكة، ولم تزل باكية منذ اليوم، وقد أفسدها فما ترى فيه؟ فقال: والله يا أمير المؤمنين إنّ الشأن في أمره لهيّن، قال: وما هو؟ قال: عبد من عبيدك يكمن له في أزقّة مكة فيريحنا منه، فقال له معاوية: أفّ لك، والله إنّ امرءا يريد بك ما يريد، ويسمو بك إلى ما