للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على قوله:

إذا سرحت من حبّ ميّ سوارح ... على القلب آبته جميعا عوازبه

فقالت الظريفة: قتلته قتلك الله، فقالت ميّة: ما أصحّه وهنيئا له، فتنفّس ذو الرمّة تنفسة كاد حرّها يطير بلحيتي، ثم أنشدت حتى أتيت على قوله:

إذا نازعتك القول ميّة أو بدا ... لك الوجه منها أو نضا الدرع سالبه

فما شئت من خدّ أسيل ومنطق ... رخيم ومن خلق تعلّل جادبه

فقالت الظريفة: قد بدا لك الوجه وتنوزع القول، فمن لنا بأن ينضو الدرع سالبه، فقالت لها ميّة: قاتلك الله، ماذا تأتين به، فتضاحكت الظريفة وقالت:

إنّ لهذين لشأنا، فقوموا عنهما، فقمنا معها، فخرجت فكنت قريبا حيث أراهما، وأسمع ما ارتفع من كلامهما، فو الله ما رأيته تحرّك من مكانه الذي خلّفته فيه، حتى ثاب أوائل الرجال، فأتيته، فقلت له: انهض بنا فقد ثاب القوم، فقام فودعها وولّت، وردفته وانصرفنا.

قد أتيت من هذه الأخبار والأشعار في هذا الباب وغيره بآخر قبل أول، وبأول بعد آخر، ولم ألزم الترتيب في الشعراء وغيرهم، على قدر منازلهم وأعصارهم، لأني تبعت الخاطر فيما أملّ، وأصبحت عندما تذكرت أو نقلت لأبرأ من كدر الكلفة وظلامها، وليس في ذلك خلل يلحق الغرض الذي أممته. فلا يظنّه المتصفح وصما، ولا يعده غباوة ونقصا، فالله تعالى يحرسنا من جهل يطلق ألسنة الزّارين، ويوقظنا من غفلة تنبّه علّنا لا نتبع الغاوين، بمنّه وسعة فضله.

<<  <  ج: ص:  >  >>