إليكم نعم من الله تعالى عليكم، فلا تملّوا النّعم فتحول نقما؛ واعلموا أنّ أفضل المال ما أكسب أجرا وأورث ذكرا؛ ولو رأيتم المعروف رجلا لرأيتموه حسنا جميلا، يسرّ الناظرين ويفوق العالمين؛ ولو رأيتم البخل رجلا لرأيتموه رجلا مشوّها قبيحا، تنفر عنه القلوب وتغضي عنه الأبصار. أيها الناس إنّ أجود الناس من أعطى من لا يرجوه، وأعظم الناس عفوا من عفا عن قدرة، وأوصل الناس من وصل من قطعه، ومن لم يطب حرثه لم يزك نبته، والأصول عن مغارسها تنمو، وبأصولها تسمو. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
[٦٤٣]- قيل لما ولي أبو بكر بن عبد الله بن حزم المدينة وطال مكثه عليها، كان يبلغه عن قوم من أهلها تناول لأصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم وإسعاف من آخرين لهم على ذلك، فأمر أهل البيوتات ووجوه الناس في يوم الجمعة أن يقربوا من المنبر، فلما فرغ من خطبة الجمعة قال: أيّها الناس، إني قائل قولا، فمن وعاه وأدّاه فعلى الله جزاؤه، ومن لم يعه فلا يعدمنّ ذمّا، مهما قصرتم عنه في تفصيله فما تعجزون عن تحصيله، فأرعوه أبصاركم، وأوعوه أسماعكم، وأشعروه قلوبكم، فالموعظة «١» حياة، والمؤمنون إخوة، وعلى الله قصد السبيل، ولو شاء لهداكم أجمعين. فاتقوا الله وأتوا الهدى تهتدوا، واجتنبوا الغيّ ترشدوا، وأنيبوا إلى الله أيها المؤمنون لعلكم تفلحون. والله جلّ ثناؤه وتقدست أسماؤه أمركم بالجماعة ورضيها لكم، ونهاكم عن الفرقة وسخطها منكم، اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ، وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ