للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لفلول حدّ وخور قناة. فإذ استوبأتم «١» العافية فغدا فطام ونكال، وسيف يعضّ بالهام.

٦٦٠- خطب زيد بن علي فقال: أوصيكم عباد الله بتقوى الله التي من اكتفى بها كفته، ومن اجتنّ بها وقته، وهي الزاد وعليها المعاد، زاد مبلّغ ومعاد منج، دعا إليها أسمع داع فوعاها خير واع، فأعذر داعيها وفاز واعيها. عباد الله إنّ تقوى الله حمت أولياء الله محارمه، وألزمت قلوبهم مخافته حتى أسهرت ليلهم وأظمأت هواجرهم، فأخذوا الراحة بالنّصب، والريّ بالظمأ، واستقربوا «٢» الأجل، فبادروا بالعمل، وكذّبوا الأمل، ولا حظوا الأجل. طوبى لهم وحسن مآب. ثم إنّ الدنيا دار فناء وعناء، وغير وعبر، فمن العناء أنّ المرء يجمع ما لا يأكل، ويبني ما لا يسكن، ثم يخرج إلى الله تعالى لا مالا حمل ولا بناء نقل، ومن الفناء أنّ الدهر موتّر قوسه، ثم لا تخطىء سهامه، ولا توسى جراحه، يرمي الحيّ بالموت، والصحيح بالعطب. آكل لا يشبع، وشارب لا يروى.

ومن غيرها أنك تلقى المحروم مغبوطا، والمغبوط محروما، وليس ذلك إلا لنعيم زال، وبؤس نزل. ومن عبرها أنّ المشرف على أمله يقطعه أجله، فلا أمل يدرك، ولا مؤمّل يترك، فسبحان الله ما أغرّ سرورها، وأظمأ ريّها، وأضحى فيّها. فكأنّ الذي كان من الدنيا لم يكن، وكأنّ الذي هو كائن منها قد كان.

صار أولياء الله فيها إلى الأجر بالصبر، وإلى الأمل بالعمل، جاوروا الله تعالى في داره ملوكا خالدين. إنّ الله عزّ وجلّ خلق موتا بين حياتين: موت بعد حياة، وحياة ليس بعدها موت. وإنّ أعداء الله نظروا فلم يجدوا شيئا بعد الموت إلّا والموت أهون منه، فسألوا الله عزّ وجلّ الموت فقالوا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ، قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ

(الزخرف: ٧٧) . وإنّ أولياء الله نظروا فلم يجدوا شيئا بعد الموت إلا والموت أشدّ منه، فسألوا الله الحياة جزعا من الموت؛ ولكلّ مما

<<  <  ج: ص:  >  >>