ثم قال: أشهد أنّي قد قضيت حقّ هذا الكلام وكتبت إلى جندي بأعطياتهم، وتركتهم لا يتمنّون موتي، وأمرت بالزيادة في أرزاقهم.
٦٩٤- كتب أحمد بن سعد الكاتب: وقديما غرّقت الفتن أبناءها، وأسكنتهم ربعها، وأرضعتهم درّها، وألحفتهم ظلّها، وأسحبتهم ذيلها، ونقّلتهم في مراتع الغرور، وأرتهم الثّقة بدوام السّرور، والأمن لعوارض المحذور وعواقب المقدور، فتمادوا في منهج الضّلال، وتراموا في مسلك الفساد، وتشعّبوا في طريق الغيّ، حتى إذا تمّ الرّضاع، ونجم الفطام، وآن لحكم الله أن يمضي، ولبأسه أن ينزل، سلّط الله عليهم سيوف الحقّ، فصاروا لأهله جزرا، وللباطل وأهله عبرا، وللمواعظ السالفة نتيجة، وللمواعد المحدودة حقيقة، ولبصيرة ذوي البصائر قوّة، ولثقة أهل العصمة مادّة، ولسوط العذاب منصبا، ولنار الجحيم حطبا، وما الله بظلّام للعبيد.
ب- فصل: من معقل إلى عقّال، ومن أجل إلى آجال.
[٦٩٥]- عبد الحميد في ذكر الفتنة: فإنّ الفتنة تستشرف بأهلها، متشوّفة بآنق منظر، وأزين ملبس، تجرّر لهم أذيالها، وتضرّيهم وتعدهم تتابع درّاتها حتى ترمي بهم في حدرات أمواجها مسلمة لهم، تعدهم الكذب وتمنّيهم الخدع، فإذا لزمهم عضاضها، ونفر بهم شماسها، تخلّت عنهم خاذلة لهم، وتبرّأت منهم معرضة عنهم، قد سلبوا أجمل لباس دينهم، واستنزلوا عن حصن دنياهم، الغني البهيّ منظره، الجميل أثره، حتى تطرحهم في فضائح أعمالهم إلى الإيجاف في التّعب وسوء المنقلب، فمن آثر دينه على دنياه، تمسّك بطاعة ولاته، وتحرّز بالدخول إلى مرضاته في الجماعة، تاركا لأثقل الأمرين وأوبل الحالين.
[٦٩٥] هي الرسالة رقم: ١٨ في عبد الحميد الكاتب وما تبقى من رسائله، ووردت في صبح الأعشى ٨: ٢٥٤ وانظر أمراة البيان ١: ٦١؛ ويبدو أن الفصلين التاليين (ب، ج) من الرسالة نفسها؛ إلا أن (ج) وردت في عبد الحميد برقم: ٣٤ أي بعيدة عن موضعها الصحيح؛ وانظر سرح العيون: ٢٤٠ ورسائل البلغاء: ٢٢٠ وجمهرة رسائل العرب ٢: ٥٥٥.