للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: فبكت حتى سمعت نحيبها من وراء الحجاب، ثم قالت: إني معجلة الرحيل إلى بلادي إن شاء الله، والله ما من بلد أبغض إليّ من بلد أنتم فيه. قال:

ولم ذاك؟ فو الله لقد جعلنا أباك صدّيقا، قالت: يا ابن عباس، أتمنّ عليّ برسول الله صلّى الله عليه وسلم؟ فقلت: ما لي لا أمنّ عليك بمن لو كان منك لمننت عليّ [١] .

«٩٤٦» - وقال بعض أصحاب الرشيد: كنت واقفا على رأس الرشيد وقد دخل عليه عبد الملك بن صالح، فأقبل عليه الرشيد فقال: كأني أنظر إلى شؤبوبها وقد لمع، وإلى غبارها وقد سطع، وإلى الوعيد وقد أورى نارا، وقد كشف عن لهازم بلا حلاقم ورؤوس بلا غلاصم، فمهلا مهلا يا بني هاشم، لا تستوعروا السّهل ولا تستسهلوا الوعر، ولا تبطروا النعم، ولا تستجلبوا النقم، فعن قليل يذمّ ذو الرأي منكم رأية، وينكص ذو الحزم منكم على عقبيه، وتستبدلوا الذّلّ بعد العزّ، وتستشعروا الخوف بعد الأمن. فقال عبد الملك: يا أمير المؤمنين، أفذّا أتكلّم أم تواما؟ قال: بل فذّا؛ قال: إن لله عليك حقا فيما ولاك فأده، واحفظه في رعيّته، ولا تجعل الكفر في موضع الشكر، ولا العقاب موضع الثواب، ولا تقطع رحمك التي أوجب الله عليك صلتها، وألزمك حقّها، ونطق الكتاب بها، فإنّ عقوقها كفر؛ وجاز ذا الحقّ على حقّه، ولا تصرف الحقّ إلى غير أهله؛ جمعت عليك القلوب بعد افتراقها، وسكّنتها بعد نفارها، وشددت أواخي ملكك بأشدّ من أركان يلملم، وكنت كما قال أخو بني جعفر ابن كلاب: [من الرمل]

ومقام ضيّق فرّجته ... بلساني ومقامي وجدل


[١] هنا حاشية دخلت في المتن جاء فيها: وهذه حكاية خشنة ينبغي اسقاطها من الكتاب ولا يتكلم بما شجر بينهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>