وإنزالهم منازلهم، واتهام بعضهم على بعض، فإنه إن وجد بعضهم إلى إهلاك بعض سبيلا، أو إلى تهجين بلاء المبلين «١» ، وإحسان المحسنين، والتغطية على إساءة المسيئين، سارعوا إلى ذلك «٢» ، واستحالوا محاسن أمور المملكة، وهجّنوا مخارج رأيه، ولم يبرح منهم حاسد قد أفسد ناصحا، وكاذب قد اتّهم أمينا، ومحتال قد أعطب بريئا. وليس ينبغي للملك أن يفسد أهل الثقة في نفسه بغير أمر يعرفه، بل ينبغي في فضل حلمه وبسط علمه الحيطة على رأيه فيهم، والمحاماة على حرمتهم وذمامهم، وأن لا يسرع إلى إفسادهم، ولا يغتفر مع ذلك زلّة زلّها أحد منهم، ولم يزل جهّال الناس يحسدون علماءهم، وجبناؤهم شجعانهم، ولئامهم كرماءهم، وفجّارهم أبرارهم، وشرارهم خيارهم.
[٧٨٩]- وقال سابور بن أردشير في عهده إلى ولده: وليكن وزيرك مقبول القول عندك «٣» ، قويّ المنزلة لديك، يمنعه مكانه منك وما يثق به من لطافة منزلته من الخشوع لأحد أو الضراعة لأحد، أو المداهنة في شيء مما تحت يده، لتبعثه الثقة بك على محض النصيحة لك، والمنابذة لمن أراد غشّك، وانتقاصك حقّك، وإن أورد عليك رأيا يخالفك ولا يوافق الصواب عندك، فلا تجبهه جبهة الظنين، ولا ترده عليه بالتهجم فيفت في عضده ذلك ويقبضه عن ابثاثك «٤» كلّ رأي يلوح صوابه، بل اقبل ما ارتضيت من قوله، وعرّفه ما تخوّف من ضرر الرأي الذي انصرفت عنه، لينتفع بأدبك فيما يستقبل الرأي فيه، واحذر كلّ الحذر أن تنزل بهذه المنزلة سواه ممّن يطيف بك من خدمك