للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: ما هيبتي في قفاي بدون هيبتي في وجهي، وما أذهب عيني عبث ولكن مطاعنة المعث.

٩) ثم قام عمرو بن معدي كرب الزبيدي فقال: إنّ المرء بأصغريه: قلبه ولسانه، فبلاغ المنطق الصواب، وملاك النجدة الارتياد، وعفو الرأي خير من استكراه الفكرة، وتوقيف الخيرة خير من اعتساف الخيرة، فاجتبذ طاعتنا بلطفك، واكظم بادرتنا بحلمك، وألن لنا كنفك، يسلس لك قيادنا؛ وإنّا أناس لم يكسر صفاتنا قراع منافر أراد لها قصما، ولكن منعنا حمانا من كلّ من رام لنا هضما.

١٠) ثم قام الحارث بن ظالم فقال: إنّ من آفة المنطق الكذب، ومن لؤم الأخلاق الملق، ومن خطل الرأي صفة الملك المسلط، فإن أعلمناك أنّ مواجهتنا لك من ائتلاف، وانقيادنا لك عن إنصاف، ما أنت لقبول ذلك منا بخليق وللاعتماد عليه بحقيق، ولكن الوفاء بالعهود وإحكام ولث العقود، والأمر بيننا وبينك معتدل، ما لم يأت من قبلك ميل وزلل.

قال كسرى: من أنت؟ قال: الحارث بن ظالم، قال: إنّ في أسماء آبائك لدليلا على قلّة وفائك، وأن تكون أولى بالغدر، وأقرب من الوزر.

قال الحارث: إنّ في الحق مغضبة والسر والتغافل، ولم يستوجب أحد الحكم إلا مع المقدرة، فليشبه أفعالك مجلسك. فقال كسرى: هذا فتى القوم.

ثم قال كسرى: قد فهمت ما نطق فيه خطباؤكم، وتفنّن فيه متكلّموكم، ولولا أني أعلم أنّ الأدب لم يثقف أودكم ولم يحكم أموركم، وأنه ليس لكم ملك يجمعكم فتنطقون عنده منطق الرعيّة الخاضعة الباخعة، فنطقتم بما استولى على ألسنتكم وغلب على طبائعكم، لم أجز لكم كثيرا مما تكلمتم به، وإنني لأكره أن أجبه وفودي وأخشّن صدورهم، وللذي [أطلب] أحبّ من إصلاح مدبركم، وتألّف سوادكم والإعذار إلى الله فيما بيني وبينكم، وقد قبلت ما كان من منطقكم من صواب، وصفحت عما فيه من خلل، فانصرفوا إلى ملككم

<<  <  ج: ص:  >  >>