للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

موقوفة على غدير فأغذذت السير نحو الغدير، فإذا نسوة مستنقعات في الماء؛ فقلت: لم أر كاليوم قط ولا يوم دارة جلجل، وانصرفت مستحييا منهن.

فنادينني بالله يا صاحب البغلة ارجع نسألك عن شيء، فانصرفت إليهن وهنّ في الماء إلى حلوقهن، فقلن: بالله لما حدثتنا بحديث دارة جلجل، فقلت: إنّ امرأ القيس كان يهوى ابنة عمّ له يقال لها عنيزة، فطلبها زمانا فلم يصل إليها حتى كان يوم الغدير، وهو يوم دارة جلجل، وذلك أنّ الحيّ احتملوا فتقدّم الرجال وتخلّف النساء والخدم والثقل، فلما رأى ذلك امرؤ القيس تخلّف بعد ما سار مع الرجال غلوة، فكمن في غيابة من الأرض حتى مرّ به النساء، فإذا فتيات وفيهن عنيزة، فلما وردن الغدير قلن: لو نزلنا فذهب بعض كلالنا، فنزلن إليه ونحين العبيد عنهنّ، ثم تجرّدن فاغتمسن في الغدير كهيئتكنّ الساعة، فأتاهنّ امرؤ القيس مخاتلا كنحو ما أتيتكنّ وهنّ غوافل، فأخذ ثيابهنّ فجمعها. ورمى الفرزدق بنفسه عن بغلته فأخذ بعض أثوابهنّ فجمعها ووضعها على صدره وقال لهنّ كما أقول لكنّ: والله لا أعطي جارية منكنّ ثوبها ولو قامت في الغدير يومها حتى تخرج مجرّدة. قال الفرزدق: فقالت إحداهنّ وكانت أمجنهنّ: هذا امرؤ القيس كان عاشقا لابنة عمه، أفعاشق أنت لبعضنا؟ قال: لا والله ما أعشق منكنّ واحدة ولكن أستهبكنّ، قال: فنعرن وصفقن بأيديهنّ وقلن: خذ في حديثك فلست منصرفا إلا بما تحبّ. قال الفرزدق في حديث امرىء القيس: فتأبّين عليه إلى آخر النهار وخشين أن يعصرن دون المنزل الذي أردنه، فخرجت إحداهنّ فدفع لها ثوبها ووضعه ناحية فأخذته ولبسته، وتتابعن على ذلك حتى بقيت عنيزة وحدها، فناشدته الله أن يطرح إليها ثوبها، فقال: دعينا منك فأنا حرام إن أخذت ثوبك إلا بيدك، قال: فخرجت فنظر إليها مقبلة ومدبرة، فوضع لها ثوبها فأخذته، وأقبلن عليه يعذلنه ويلمنه ويقلن: عرّيتنا وحبستنا وجوّعتنا، قال: فإن نحرت لكنّ ناقتي تأكلن منها؟ قلن: نعم، فأخذ سيفه فعرقبها ونحرها وكشطها وصاح بالخدم فجمعوا له حطبا فأجّج نارا عظيمة، وجعل يقطع لهنّ

<<  <  ج: ص:  >  >>