للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليكن أبعد رعيتك منك وأشنأهم عندك أطلبهم لمعايب الناس، فإنّ في الناس عيوبا الوالي أحقّ من سترها، فلا تكشفنّ عما غاب عنك منها، فإنما عليك تطهير ما ظهر لك، والله يحكم على ما غاب عنك، فاستر العورة ما استطعت يستر الله عليك ما تحبّ ستره من عيبك، أطلق عن الناس عقدة كلّ حقد، واقطع عنهم سبب كلّ وتر، وتغاب عن كلّ ما لا يضح لك، ولا تعجلنّ إلى تصديق ساع، فإن الساعي غاشّ، وان تشبّه بالناصحين. ولا تدخلن في مشورتك بخيلا يعدل بك عن الفضل ويعدك الفقر، ولا جبانا يضعفك عن الأمور، ولا حريصا يزيّن لك الشره بالجور، فإن البخل والجبن والحرص غرائز شتّى يجمعها سوء الظنّ بالله.

شرّ وزرائك من كان للأشرار قبلك وزيرا، ومن شركهم في الآثام فلا يكوننّ لك بطانة، فانهم أعوان الأئمة وإخوان الظّلمة، وأنت واجد منهم خير الخلف ممن له مثل آرائهم ونفاذهم، وليس عليه مثل آصارهم وأوزارهم، ممن لا يعاون ظالما على ظلمه، ولا آثما على إثمه، أولئك أخفّ عليك مؤونة، وأحسن لك معونة، وأحنى عليك عطفا، وأقلّ لغيرك إلفا، فاتخذ أولئك «١» خاصة لخلواتك وجفلاتك، ثم ليكن آثرهم عندك أقولهم بمرّ الحقّ، وأقلّهم مساعدة فيما يكون منك مما كره الله لأوليائه واقعا ذلك من هواك حيث وقع؛ والصق بأهل الورع والصدق ثم رضهم على أن لا يطروك، ولا يبجحوك بباطل لم تفعله، فان كثرة الإطراء تحدث الزهو وتدني من الغرّة.

ولا يكوننّ المحسن والمسيء عندك بمنزلة واحدة، فإن في ذلك تزهيدا لأهل الإحسان في الإحسان، وتدريبا لأهل الإساءة على الإساءة، وألزم كلّا منهم ما ألزم نفسه، واعلم أنه ليس شيء أدعى إلى حسن ظنّ وال برعيته من إحسانه إليهم وتخفيفه المؤونات عنهم، وترك استكراهه إياهم على ما ليس له

<<  <  ج: ص:  >  >>