للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انتصف الليل تعاطى الجماعة شدة القلب والجلد، فقالوا: من يخرج فيقف على هؤلاء المصلوبين في هذا الوقت ويأتي بعلامة منهم؟ فانتدب أحدهم، فلما وصلهم رأى رجلا منهم [١] يتضور في خناقه، فدنا منه فوجده حيا، وقد وقع الحبل تحت حنكه، وهو بآخر رمق؛ فأرخى الحبل وحطّه وحمله على ظهره إلينا، وقال: هذه علامة لا تنكر. وعاش الرجل، فكان ما تعاطاه أولئك الجهلة في نصف الليل سببا لحياته واستنقاذه.

١١٥- حدثني أبو طالب ابن البابقوني قال: حبست في محبس المخزن بسعي تقدم من أبي القاسم ابن الأيسر في حقي، وكان يتولى مكروهي وانتدب لأذيتي. واتفق من بعد فساد حال ابن الأيسر، وظهر عليه أخذه أموال الناس بما كان يعتمده من تخويفهم بشرّه، وانكشف من ذلك مال عظيم أعيد عليهم ما تهيأ منه، وقبض عليه وحمل إلى الموضع الذي أنا فيه، وجمعنا الحبس. قال:

فكان كل وقت يطلب أن أحالّه فأمتنع عليه واقول له: لا مال لي يؤخذ فأطيب نفسا عنه، وما بقي إلا روحي وما أحالّك عنها، وأنا هالك هاهنا. فقال لي:

كلانا هالكان، فقلت: لا جرم أنني آمل الجنة لأني أهلك مظلوما، وأنت تدخل النار بظلمك. قال: فبتّ في بعض الليالي آيسا قلقا، ولجأت إلى الله تعالى، ونذرت عتق عبد كان لي، والصدقة والزيارة والحجّ إن وجدت النفقة، ونمت فأريت [٢] وقت السحر في المنام امرأة حسناء وضعت يدها على بدني كأني أجد لين مسها يقظان، وقالت لي: قم واخرج ولا تنتظر هذا- يعني ابن الأيسر- فإنه يقيم هاهنا ست سنين. قال: فانتبهت أروّي: هل أخبره بالرؤيا أم لا؟ فبينا أنا في ذلك إذ فتح الباب وأخرجت ولا أعلم كيف ذاك ولا ما سببه إلى الآن.


[١] م: رأى أحد المصلوبين.
[٢] م: فرأيت.

<<  <  ج: ص:  >  >>