استحفظك من حقّه فيهم، واجعل لهم قسما من بيت مالك، وقسما من غلّات صوافي الاسلام في كلّ بلد، فإن للأقصى منهم مثل الذي للأدنى، وكلّ قد استرعيت حقه، فلا يشغلك عنهم نظر، فإنك لا تعذر بتضييع التافه لإحكامك الكثير المهمّ، ولا يشخص همّك عنهم، ولا تصعّر خدّك لهم، وتفقّد أمور من لا يصل إليك منهم ممن تقتحمه العيون وتحقره الرجال، ففرّغ لأولئك ثقتك «١» من أهل الخشية والتواضع، فليرفع إليك أمورهم، ثم اعمل فيهم بالإعذار إلى الله سبحانه يوم تلقاه، فإن هؤلاء من بين الرعية أحوج إلى الإنصاف من غيرهم، وكلّ فأعذر إلى الله في تأدية حقّه إليه. وتعهد أهل اليتم وذوي الرقّة في السنّ ممن لا حيلة له ولا ينصب للمسألة نفسه، وذلك على الولاة ثقيل، والحقّ كلّه ثقيل، وقد يخفّفه الله على أقوام طلبوا العاقبة فصبروا أنفسهم ووثقوا بصدق موعود الله لهم.
واجعل لذوي الحاجات منك قسما تفرّغ لهم فيه نفسك، وتجلس لهم مجلسا عاما فتتواضع فيه لله الذي خلقك، وتقعد عنهم جندك وأعوانك من أحراسك وشرطك حتى يكلّمك متكلمهم غير متعتع فإني سمعت رسول الله عليه السلام يقول في غير موطن «٢» : «لن تقدّس أمة لا يؤخذ للضعيف فيها حقّه من القويّ غير متعتع» ، ثم احتمل الخرق منهم والعيّ، ونحّ عنك «٣» الضيق والأنف يبسط الله عليك بذلك أكناف رحمته، ويوجب لك ثواب طاعته، وأعط ما أعطيت هنيئا، وامنع في إجمال وإعذار.
ثم أمور من أمورك لا بد لك من مباشرتها: منها إجابة عمّالك بما يعي «٤» عنه كتّابك، ومنها إصدار حاجات الناس عند ورودها عليك مما تخرج به