«٦٧٩» - مرّ شبيب بن يزيد الخارجيّ على غلام قد استنقع في الفرات، فقال: يا غلام، اخرج إليّ لأسائلك. فنظر الغلام فعرف شبيبا، فقال: إني أخاف، فهل آمن أنا إلى أن أخرج وألبس ثيابي؟ قال: نعم، قال: فو الله لا ألبسها اليوم ولا أخرج. فقال شبيب: أوّه! خدعني الغلام، وأمر رجلا يحفظه له ولا تصيبه معرّة ومضى، وسلّم الغلام.
«٦٨٠» - كان يختلف إلى أبي حنيفة رجل يتجمّل بالستر الظاهر والسّمت الحسن. فقدم رجل غريب فأودعه مالا خطيرا وخرج حاجّا، فلما عاد طالبه بالوديعة فجحده، فألحّ عليه الرجل فتمادى. وكاد صاحب المال يهيم، ثم استشار ثقة فقال له: كفّ عنه وصر إلى أبي حنيفة، فدواؤك عنده. فانطلق إليه وخلا به وأعلمه شأنه. فقال له أبو حنيفة: لا تعلم بهذا أحدا وامض راشدا وعد إليّ غدا.
فلما أمسى أبو حنيفة جلس كعادته للناس، وجعل كلّما سئل عن شيء تنفّس الصّعداء. فقيل له في ذلك. فقال: إنّ هؤلاء، يعني عن السلطان، قد احتاجوا إلى رجل يبعثونه قاضيا إلى مكان وقالوا لي: اختر من أحببت، ثم أسبل كمّه.
وخلا بصاحب الوديعة وقال له: أترغب حتى أسمّيك؟ فذهب متمنّعا عليه، فقال أبو حنيفة: اسكت فإني أبلغ لك ما تحبّ. فانصرف الرجل مسرورا يظنّ الظنون بالجاه العريض والحال الحسنة. وصار ربّ المال إلى أبي حنيفة فقال له: امض إلى صاحبك ولا تخبره بما بيننا، ولوّح بذكري وكفاك. فمضى الرجل واقتضاه وقال له: اردد علىّ مالي وإلا شكوتك إلى أبي حنيفة. فلما سمع ذلك وفّاه المال، وصار الرجل إلى أبي حنيفة وأعلمه برجوع المال إليه. فقال: استر عليه، وغدا الرجل إلى أبي حنيفة طامعا في القضاء، فنظر إليه أبو حنيفة وقال له: قد نظرت في أمرك فرفعت قدرك عن القضاء.