وقد هممت مرارا أن أساقيكم ... كأس المنيّة لولا الله والرّحم
ولو فعلت لزالت عنكم نعم ... بكفر أمثالها تستنزل النّقم
فلما يئس منه قال لخالد بن برمك: إن كانت عندك حيلة فقدّمها فقد أعيتنا وجوه الحيل. قال: يا أمير المؤمنين، ضمّ إليّ ثلاثين رجلا من كبار الشيعة، فمضوا إليه، فلم يزدد إلا نبوّا، فخرجوا، فقال لهم خالد: ما الحيلة؟ فأعضلتهم، فقال: ما هي إلّا أن نخبر أمير المؤمنين أنّه قد أجاب ونشهد عليه إن أنكر، قالوا: نفعل. فصاروا إلى المنصور وقالوا: قد أجاب، وخرج التوقيع بالبيعة للمهديّ وكتب بذلك إلى الآفاق، وجاء عيسى فأنكر وشهدوا عليه بالإجابة. وكان المهديّ يعرف ذلك لخالد، ويصف جزالة الرأي. فيه.
٧٣٤- وجد شابّ قتيلا بظهر الطريق أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فلم يقدر على قاتله، فقال: اللهم أظفرني بقاتله، حتى إذا كان على رأس الحول وجد صبيّ ملقى موضع القتيل، فقال: ظفرت بدم القتيل إن شاء الله.
فدفعه إلى ظئر وقال لها: إن جاءتك امرأة تقبّله وترحمه أعلميني [١] . فلما شبّ وطال إذا هي بجارية قالت لها: إنّ سيدتي تطلب أن تذهبي إليها؛ ففعلت، فضمّته إلى صدرها وقبّلته، وتلك بنت شيخ من الأنصار. فأخبرت عمر، فاشتمل على سيفه وخرج إلى منزلها فوجد الشيخ متّكئا على باب داره، فقال:
ما فعلت بنتك؟ قال: جزاها الله خيرا، هي من أعرف الناس بحقّ الله وحقّ أبيها؛ وذكر من حسن صلاتها وصيامها والقيام بدينها. فقال: أحببت أن أزيدها رغبة، فدخل وأخرج من هناك، وقال: أصدقيني خبر القتيل والصبيّ وإلّا ضربت عنقك؛ وكان عمر رضي الله عنه لا يكذب. فقالت: كانت عندي عجوز قد تأمّمتها، فعرض لها سفر فقالت: لي بنت أحبّ أن أضمّها إليك.