فلم يزل يقترحه ويشرب عليه حتى السّحر، فوافاه كتاب خليفته في دار الرشيد أنّ الخليفة على الركوب، وكان محمد أحد أصحاب الرشيد ومن يقدّم دابّته، فقال: ويحكم، كيف أعمل والرشيد لا يقبل لي عذرا وأنا سكران؟ فقالوا: لا بدّ من الركوب. فركب على تلك الحال، فلما قدّم إلى الرشيد دابته قال له: يا محمد، ما هذه الحال التي أراك عليها؟ قال: لم أعلم برأى أمير المؤمنين في الركوب، فشربت ليلتي أجمع، قال: فما كان صوتك؟ فأخبره، فقال له: عد إلى منزلك فلا فضل فيك. فرجع إلينا وخبّرنا بما جرى، وقال: خذوا بنا في شأننا. فجلسنا على سطح، فلما متع النهار إذا خادم من خدم الرشيد قد أقبل على برذون وفي يده شيء مغطّى بمنديل قد كاد ينال الأرض. فصعد إلينا وقال: أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام ويقول: قد بعثنا إليك بكأس أمّ حكيم لتشرب فيه وبألف دينار تنفقها في صبوحك. وقام محمد فأخذ الكأس من يد الخادم وقبّلها وصبّ فيها ثلاثة أرطال وشربها قائما وسقانا مثل ذلك، ووهب للخادم مائتي دينار، وغسل الكأس وردّها إلى موضعها، وجعل يفرّق علينا تلك الدنانير حتى بقي معه أقلّها.
والشعر المذكور للوليد بن يزيد بن عبد الملك. وأمّ حكيم بنت يحيى بن الحكم بن أبي العاص بن أمية.
«١٠٩٢» - قال ابن إسحاق الموصليّ: دخلت إلى الرشيد يوما وهو يخاطب جعفر بن يحيى بشيء لم أسمع ابتداءه، وقد علا صوته، فلما رآني مقبلا قال لجعفر: أترضى بإسحاق؟ قال جعفر: بلى والله، ما في علمه مطعن إن أنصف، فقال له: أيّ شيء تروي للشعراء المحدثين في الخمر؟