سأفني بك الأيام حتى يسرّني ... بك الدهر أو تفنى حياتي مع الدّهر
عزاء وصبرا أسعداني على الهوى ... وأحمد ما جرّبت عاقبة الصّبر
ثم أخذت الصورة فعانقتها وبكت، وبكين ثم شكون إليها جميع ما كنّ فيه، ثم أمرن بالصورة فطويت، ففرقت أن يتفرّقن قبل أن أكلّمهن، فرفعت رأسي إليهنّ، فقلت:
لقد ظلمتنّ الغربان! فقالت إحداهنّ: لو قضيت حقّ السلام، وجعلته سببا للكلام، لأخبرناك بقصّة الغربان. قال قلت: إنّما أخبرتكنّ بالحقّ، قلن: وما الحقّ في هذا؟ وكيف ظلمناهنّ؟ قلت: إن الشاعر يقول: [من الكامل]
فقلت لهنّ: بالذي خصّكنّ بهذه المحاسن، وبحقّ صاحبة الصورة لما أخبرتنني بخبركنّ. قلن: لولا أنّك أقسمت علينا بحقّ من يجب علينا حقّه لما أخبرناك: كنّا صواحب مجتمعات على الألفة، لا تشرب واحدة منّا البارد دون صاحبتها، فاخترمت صاحبة الصورة من بيننا، فنحن نصنع في كلّ موضع نجتمع فيه مثل الذي رأيت، فأقسمنا أن نقتل في كلّ يوم نجتمع فيه ما وجدنا من الغربان لعلّة كانت. قلت: وما تلك العلّة؟ قلن: فرّقن بينها وبين آنس كان لها، ففارقت الحياة، وكانت تذمّهنّ عندنا وتأمر بقتلهنّ، فأقلّ ما لها عندنا أن نمتثل ما أمرت به، ولو كان فيك شيء من السواد لفعلنا بك فعلنا بالغربان، ثم نهضن. ورجعت إلى أصحابي فأخبرتهم بما رأيت ثم طلبتهنّ بعد ذلك فما وقعت لهنّ على خبر ولا رأيت لهنّ أثرا.