«٢٣٧» - ولمّا انصرف دينار بن عبد الله من الجبل، قال المأمون لأحمد بن أبي خالد: امض إلى هذا الرجل وحاسبه، وتقدّم إليه بحمل ما تحصّل لنا عليه.
وأنفذ معه خادما [ينهي إليه] ما يكون منه، قال: إن أكل أحمد عند دينار، عاد إلينا بما نكره. ولمّا اتّصل خبر أحمد بدينار، قال للطباخ: إنّ أحمد أشره من نفخ فيه الروح، فإذا رأيته فقل: ما الذي تأمر أن يتّخذ لك؟ ففعل الطبّاخ، فقال أحمد: فراريج كسكريّة بماء الرمّان، تقدّم مع خبز الماء السميد، ثم هات بعد ذلك ما شئت. فابتدأ الطبّاخ بما أمر. وأخذ أحمد يكلّم دينارا فقال: يقول لك أمير المؤمنين: إنّ لنا قبلك ما لا قد حبسته علينا: فقال: الذي لكم ثمانية آلاف ألف، قال: فاحملها، قال: نعم. وجاء الطبّاخ فاستأذن في نصب المائدة، فقال أحمد: عجّل بها، فإني أجوع من كلب. فقدّمت وعليها ما اقترح، وقدّم الدجاج وعشرون فرّوجا كسكرية، نصفها بماء الحصرم، ونصفها بماء الرمان. فأكل أكل جائع نهم ما ترك شيئا ممّا قدّم، ثم نقل الحار والبارد فما مرّ لون إلا أثر فيه، فلما فرغ وقدّر الطباخ أنّه قد شبع، لوّح بطيفورية فيها خمس سمكات شبابيط كأنّها سبائك الفضّة، فقال له أحمد: قطع الله يمينك! ألا قدّمت هذا؟ ولكن هاتها، فوضعها بين يديه، فأكل أكل من لم يأكل قبله شيئا، ثم رفعت المائدة وغسلوا أيديهم، وأعاد أحمد الخطاب، فقال دينار:
أليس قد عرّفتك أنّ الباقي لهم عندي سبعة آلاف ألف، فقال: أحسبك اعترفت بأكثر من هذا، قال: ما اعترفت إلا بها، قال: فأت خطّك بما اعترفت، فتناول القلم وكتب بستّة آلاف ألف. فقال أحمد: سبحان الله! أليس اعترفت بأكثر من هذا؟ قال: ما لكم قبلي إلا هذا المقدار. فأخذ خطّه بها، وتقدّم الخادم فأخبر المأمون بما جرى، فلما ورد أحمد ناوله الخطّ، فقال: قد عرفنا ما كان من