للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«٤٥٢» - قال عبد الله بن الحسن: جاءني أبو العتاهية وأنا في الديوان فجلس إليّ فقلت له: يا أبا إسحاق، أما يصعب عليك شيء من الألفاظ تحتاج فيه إلى الغريب كما يحتاج إليه سائر الناس ممّن يقول الشّعر؟ فقال: لا، فقلت:

إني لأحسب ذلك من كثرة ركوبك القوافي السهلة، قال: فاعرض عليّ ما شئت من القوافي الصعبة، فقلت: قل أبياتا في مثل البلاغ، فقال من ساعته:

[من الخفيف]

أيّ عيش يكون أفضل من عي ... ش كفاف قوت بقدر البلاغ

ربّ ذي لقمة [١] تعرّض منها ... حائل بينها وبين المساغ

أبلغ الدهر في مواعظه بل ... زاد فيهنّ لي على الإبلاغ

غشمتني [٢] الأيام عقلي ومالي ... وشبابي وصحّتي وفراغي

وكان أبو العتاهية لتمكّنه من الطبع يقول: الناس يتكلّمون الشّعر وهم لا يعلمون، ولو أحسنوا تأليفه لكانوا شعراء كلّهم، فبينا هو يحدّث إذ قال رجل لآخر معه مسح [٣] : يا صاحب المسح تبيع المسح؟ فقال أبو العتاهية: ألم تسمعوه يقول: [من الرجز]

يا صاحب المسح تبيع المسحا

قد قال شعرا وهو لا يعلم، ثم قال له الرجل: تعال إن كنت تريد الرّبح، فقال أبو العتاهية: وقد أجاز المصراع بمصراع آخر وهو لا يعلم، قال:

تعال إن كنت تريد الربحا


[١] الأغاني: نعمة.
[٢] الأغاني: غبنتني.
[٣] المسح: كساء من شعر.

<<  <  ج: ص:  >  >>