فرأى رجلا واقفا فقال له مثل ذلك، فقال له: كنت عند أمي وهي مثقلة بالعلّة فأفاقت في هذه الساعة، وجاءتني امرأة فقالت: قد ولدت امرأتك، فعزمت عليّ أمي أن أمضي فخرجت، وهذا باب أمي وهذا بابي، فقال: ما أراك إلّا صادقا، يا حرسيّ اضربا عنقه. ثم مضى وأنا معه، فرأى رجلا شاربا فقال: ألم تسمع نداء الأمير؟ قال: بلى. قال: فما حملك على الخروج؟ قال: خذلان الله وانه ماصّ كذا أو كذا فقال: ما أحسبك إلّا صادقا خلّيا عنه.
[١١٨٠]- لقي أبو العيناء الفتح بن خاقان في حاجة فوعده ثم لقيه فوعده، فلما كان في الثالثة ألفاه على حال ضجر، فقال له الفتح: أما علمت أنه من طالب السلطان احتاج إلى ثلاث خلال؟ قال: وما هنّ، أعزّ الله الأمير؟ قال: عقل وصبر ومال، فقال أبو العيناء: لو كان لي عقل لعقلت عن الله تعالى أمره ونهيه، ولو كان لي صبر لصبرت منتظرا رزقي أن يأتيني، ولو كان لي مال لاستغنيت به عن تأميل الأمير والوقوف ببابه.
[١١٨١]- حدّث مخلد بن زردي الكاتب المدائني وكان يلقّب بلبد لطول عمره، أنّ المأمون أول ما قدم العراق حظر أن يقلّد الأعمال إلّا الشيعة الذين قدموا معه من خراسان فطالت عطلة كتّاب السواد وعمّاله، وكانوا يحضرون في كلّ يوم حتى ساءت حالة أكثرهم فخرج يوما بعض مشايخ الشيعة، وكان مغفلا، فتأمّل وجوههم فلم ير فيهم أسنّ من مخلد فجلس إليه وقال: إنّ أمير المؤمنين قد أمرني أن أتخيّر ناحية من نواحي الخراج صالحة المرفق ليوقّع بتقليدي إياها، فاختر لي أنت ناحية، فقال: إنّي لا أعرف لك عملا أولى من زبدات البحر وصدقات الوحش وخراج وبار، فقال: اكتبه لي بخطّك فكتبه؛
[١١٨٠] زهر الآداب: ٢٠٣- ٢٠٤ ومعجم الأدباء ١٤: ٥٣ (عن علي بن عبيدة) ومحاضرات الراغب ١: ١٩٢.