«١٨» - ومثله خبر الراعي مع عبد الملك لما أنشده قوله:[من البسيط]
فإن رفعت بهم رأسا نعشتهم ... وإن لقوا مثلها في قابل فسدوا
قال له: تريد ماذا؟ قال: تردّ عليهم صدقاتهم، وتدرّ أعطياتهم، وتنعش فقيرهم، وتخفّف مؤونة غنيّهم، قال: إنّ ذا لكثير، قال: أنت أكثر منه، قال: قد فعلت فسلني حوائجك، قال: قد قضيتها، قال: سل لنفسك، قال: لا والله لا أشوب هذه المكرمة بالمسألة لنفسي.
«١٩» - ومما يناسبه أن البادية قحطت في أيام هشام، فقدمت عليه العرب فهابوا أن يتكلموا وفيهم درواس بن حبيب ابن ست عشرة سنة له ذؤابة وعليه شملتان، فوقعت عليه عينا هشام فقال لحاجبه: ما يشاء أحد يدخل علي إلا دخل حتى [١] الصبيان؟! فوثب درواس بن حبيب حتى وقف بين يديه مطرقا، فقال: يا أمير المؤمنين إن للكلام نشرا وطيّا، وإنه لا يعرف ما في طيه إلا بنشره، فإن أذنت لي أن أنشره نشرته. قال: انشر لا أبا لك، وقد أعجبه كلامه مع حداثة سنه. فقال: إنه أصابتنا سنون ثلاث: سنة أذابت الشحم، وسنة أكلت اللحم، وسنة أنقت العظم، وفي أيديكم فضول أموال، فإن كانت لله ففرّقوها على عباده، وإن كانت لهم فعلام تحبسونها عنهم؟ وإن كانت لكم فتصدّقوا بها عليهم إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي