للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال له: خرّبت البلاد، وقتلت العباد، والله لأفعلنّ بك ولأفعلنّ، قال:

يا أمير المؤمنين ما تحبّ أن يفعل الله بك إذا وقفت بين يديه وقد قرّعك بذنوبك؟ قال: العفو والصفح، قال: يا أمير المؤمنين، فافعل بعبدك ما تحبّ أن يفعل بك مولاك، قال: قد فعلت، ارجع فوال مستعطف خير من وال مستأنف.

«٣١٠» - قال المأمون للفضل بن الربيع: يا فضل، أكان حقي عليك وحقّ آبائي ونعمهم عند أبيك وعندك أن تثلبني وتشتمني وتحرّض على دمي؟

أتحبّ أن أفعل بك مع القدرة ما أردت أن تفعله بي مع العجز؟ فقال الفضل: يا أمير المؤمنين، إن عذري يحقدك إذا كان واضحا جميلا، فكيف إذا غيّبته العيوب وقبّحته الذنوب؟ فلا يضق عنّي من عفوك ما وسع غيري من حلمك، فانت والله كما قال الشاعر: [من الطويل]

صفوح عن الاجرام حتى كأنه ... من العفو لم يعرف من الناس مجرما

وليس يبالي أن يكون به الأذى ... إذا ما الأذى لم يغش بالكره مسلما

«٣١١» - قال يزيد بن مزيد: أرسل إليّ الرشيد ليلا يدعوني، فأوجست منه خيفة فقال: أنت القائل: أنا ركن الدولة والثائر لها، والضارب أعناق بغاتها، لا أم لك، أيّ ركن لك، وأيّ ثائر أنت؟ وهل كان منك فيها إلا نفحة أرنب رعبت قطاة جثمت بمفحصها؟ قلت: يا أمير المؤمنين، ما قلت هذا إنما قلت: أنا عبد الدولة والفائز بها؛ فأطرق وجعل ينحلّ غضبه عن وجهه، ثم ضحك، فقلت: أسرّ من هذا قولي: [من البسيط]

<<  <  ج: ص:  >  >>