فبكت ثم قالت: هذه ابنتك، فأمسكت عنها حتى اشتغلت أمها، ثم أخرجتها يوما فحفرت لها حفيرة وجعلتها فيها وهي تقول لي: يا أبة ما تصنع بي؟ وجعلت أقذف عليها التراب وهي تقول: أمغطي أنت بالتراب؟ أتاركي أنت وحدي ومنصرف عني؟ وجعلت أقذف عليها التراب حتى واريتها فانقطع صوتها. فدمعت عين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم قال: إنّ هذه لقسوة وإن من لا يرحم لا يرحم.
ورأى في حجر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعض بناته يشمّها فقال له: ما هذه السخلة تشمها؟ والله لقد وأدت ثمانية، وولد لي ثمانون ما شممت منهم أنثى ولا ذكرا قط، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: فهل إلا أن ينزع الله الرحمة منك.
«٤٩٤» - وكان محمد بن عبد الملك الزيات قاسيا مع غير ذلك من رذائل جمعت فيه، على فضله وعلمه وأدبه وكفايته، فذكروا أن رجلا دخل عليه فقال له: أنا أصلحك الله أمتّ إليك بجواري وأرغب إليك في عطفك عليّ، فقال له: أما الجوار فنسب بين الحيطان، وأما العطف والرقة فهما للصبيان والنساء.
٤٩٥- وقيل: كان له جار أيّام انخفاض حاله، وكان بينهما ما يكون بين الجيران من التباعد، فلما بلغ محمد ما بلغ من الولاية شخص إلى سرّ من رأى، فورد بابه وهو يتغدّى، فوصل إليه وهو على طعامه، فتركه قائما لا يرفع إليه طرفه وهو يأكل حتى فرغ من أكله، ثم رفع رأسه إليه وقال له: ما خبرك؟ فقال الرجل: قد أصارك الله تعالى أيها الوزير إلى أجلّ الآمال، وصرف رغبات الناس إليك، وقد علمت ما كنت تنقمه عليّ، وقد غيّر الدهر حالي فوفدت إليك مستقيلا عثرتي ومستعطفا لك على خلّتي، فقال له: قد