بعض المروج المعشبة، فبسط له فتغدّى، وأقام فيه إلى حين الرواح، فلما حان انصرافه تشاغل غلمانه بالترحال، فجاء أعرابي فوجد منهم غفلة، فأخذ دوّاجا [١] لسليمان مثمنا فوضعه على عاتقه، وسعى وسليمان ينظر إليه، ورآه بعض حشم سليمان فصاح به: ألق ما معك، فقال الأعرابي: لا ألقيه ولا كرامة لك، وهذا كسوة الأمير وخلعته، فضحك سليمان وقال: صدق أنا كسوته، فمرّ كأنه إعصار ريح.
٥٩١- حكى بعض أسباب عبيد الله بن سليمان بن وهب الوزير أنه كان في أيام وزارته يذكر موسى بن بغا فيترحم عليه، ويتلهف على أيامه وطيبها، فقلت له يوما: قد أسرفت في هذا الباب، ولو رآك موسى بن بغا في حالك هذه لرضي أن يقف على سيفه بين يديك، فقال لي: أنا أحدّثك الآن بحديث واحد من أحاديثه فإن استحقّ ما أنا عليه وإلا فلمني، وأنشأ يحدثني قال: كنا بالري، وكنت قد عرّفته أني قد استفدت معه مائة ألف دينار، ورحلنا نريد سرّ من رأى، فلما نزلنا همذان دعاني يوما وإذا هو مشمئزّ مقطّب، فقال لي:
أريد مائة ألف دينار لا بدّ منها، فقلت له: قد استخرجنا مال البلاد وأخذناه وأجحفنا بأهلها فمن أين؟ قال: لا أدري لا بدّ منها البتة، فقام في نفسي أنه يريد المال الذي عرّفته أني قد أفدته، فقلت له: عندي المال الذي قد علمته، وهو مائة ألف دينار، خذه، فقال: تلك دعها بحالها لست أريدها، ولي فيها تدبير، وما أبرح من ها هنا أو تحصّل لي من مال البلاد مائة ألف دينار، فما زلت قائما وقاعدا ومكاتبا، وهو مقيم بهمذان لا يبرح منها، حتى حصّلتها وعرّفته خبرها، فلما عرفه أمسك عني، حتى إذا صار بخانقين دعاني فسألني عن المال، فعرّفته حصوله وحضوره، فقال لي: كنت عرّفتني أنك حصلت من الفائدة معي مائة ألف، فعلمت أن أبا أيوب- يعني أباه سليمان- يلقاك فيقول