للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه اسم الجود أنه كان مؤثرا على نفسه، متقللا في خاصته، وحاصله في السنة خمسون ألف دينار، كما قيل، ولا يزال يأخذ بالدين يتمم به صلاته، وتصدّق بداره التي يسكنها، فكان يؤدي أجرتها في كلّ شهر على السبيل الذي [١] جعلها فيه.

ومن عجيب أمره أنه خدم زنكي بن آق سنقر في مبدأ أمره مشرفا على الاصطبل، وكان ذاك موصوفا بالشحّ، فتقرب إليه بما يطابق هواه، حتى بما يسقط [٢] من النعال، وتوسّل عنده بالتبخل [٣] تكلفا تتطلع السجايا الكريمة من خلاله، ويشهد بما ستبديه الأيام من شرف جلاله، حتى صار مشرف ديوانه، فكان أقرب أصحابه إليه [٤] ، فلما قتل زنكي وقام ولده بالأمر ووزر له وملك أمره، وأمن ما كان يخافه من أبيه، أظهر مكنون سجيته، وباح بما كان يضمره وأبان عن جود برمكيّ. ومن المستفيض عنه أنه لم يتضجر قطّ على سائل، ولم يبرم بملحّ، ولا منع أحدا، ولا أصغى بسمعه إلى عاذل في الجود ولا مشير.

٩٣٣- وشاهدت اثنين أحدهما من أوساط الناس والآخر من فقرائهم:

أما الأوّل فكان يجوع ويطعم، ويعرى ويكسو، ويتكسب بالتصرف فيلبس القميص المرقوع ويركب الدابّة الضعيف، لا زوجة له ولا ولد ولا عبد، ويصرف ما يحصله في معونة الناس وإرفادهم وإطعامهم، وأما الثاني فرجل ضعيف يجتدي الناس في الأسواق ويسألهم، ويجمع ذلك فينفقه [٥] على المحبوسين: يطعمهم ويسقيهم ويداوي مرضاهم، ويضع الأجاجين على الطرق


[١] ر ع: التي.
[٢] م: سقط.
[٣] وتوسل عنده بالتبخل سقط من ع م.
[٤] ع م: وكان مشرف ديوانه وأقرب أصحابه منه.
[٥] ع م: ينفقه.

<<  <  ج: ص:  >  >>