للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأشركهم في ماله وجاهه حتى أنساهم ما كانوا عليه بالعراق من حالة العمل وخدمة السلطان، فقال بعضهم فيه، وهو من أنساب الوزير عون الدين بن هبيرة: [من الوافر]

كأني شانى بمهلبيّ ... ونازل عبد شمس في احتكام

وهذا البيت من قصيدة طويلة امتدحه بها وشكره على ما أسداه إليه وإلى غيره من الإحسان. وشاعت هذه المكرمة عنه حتى قصده الخائفون في جميع البلاد، فأصبحت به إربل حمى لّلاجىء وملاذا للمستجير. وأما من وفد عليه من الشعراء والسؤال فكثير لا يحصى عددهم، وكان يحب الشعر ويجيز قائله بأسنى الجوائز، وخصّه الله عز وجل بالذكاء والمعرفة وصفاء النفس واتقاد الخاطر حتى إنه كان يستنبط بدقيق فكره معاني الآيات من القرآن العزيز والأخبار النبويّة والأشعار ويتفرد في ذلك بأشياء لم يسبق إليها. وأما ما منحه الله به من بذل الأموال وإنفاقها في عمارة بيوت الله تعالى وتجديد الرباطات والمدارس والجسور على الدجلة وغيرها من الأنهار وعمارة الخانات في الطرق المخوفة والقفار الخالية عن العمار والعمران فان ذلك مما لا يحتاج إلى ذكر وبيان، فإنه لم يخل بلد من البلاد التي تحت يده من ذلك، حتى أنه عمر بظاهر مدينة الموصل في خطة واحدة من الأرض مقدار رأي العين على الدجلة جامعا ورباطا للصوفيّة وبيمارستان للمرضى، غرم على ذلك مالا كثيرا يزيد على خمسين ألف دينار، ونصب على دجلة الموصل جسرا من الخشب، ووقف على هذه الوجوه الأربعة أوقافا كثيرة يحصل منها في السنة عشرة آلاف دينار أو أكثر من ذلك، فمن تسمح نفسه بهذه الأعمال لحقيق أن يوصف بالجود والكرم، ولولا أن نخرج عما يقتضيه عمل الكتاب لذكرنا من مناقبه ما يطرب السامع ويؤنق المتأمل، وفيما أشرت إليه من ذلك كفاية.

<<  <  ج: ص:  >  >>