هذه الحلقة ففرّقها بين قومك، فإن تظفر فستردّ عليك، وإن تهلك فأيسر مفقود. فأمر بها فأخرجت ففرّقها بينهم، ثم قال حنظلة للنعمان: لولا أنك رسول لما أبت إلى قومك سالما، فرجع النعمان، وبات الفريقان يتأهبون للحرب. وأمر حنظلة بالظّعن جميعا فوقفها خلف الناس ثم قال: يا معشر بكر ابن وائل قاتلوا عن ظعنكم أو دعوا؛ وانصرفت بنو قيس بن ثعلبة فلم يشهدوها.
وقال لهم ربيعة بن عراك السكونيّ ثم التجيبي، وكان نازلا في بني شيبان: أما إني لو كنت منكم لأشرت عليكم برأي مثل عروة العكم، فقالوا: فأنت والله من أوسطنا فأشر علينا، فقال: لا تستهدفوا لهذه الأعاجم فتهلككم بنشابها، ولكن تكردسوا لهم كراديس يشدّ عليهم كردوس كردوس، فإذا أقبلوا عليه شدّ الآخر، فقالوا إنك قد رأيت رأيا، ففعلوا. وقام هانىء بن مسعود وقال [١] : يا قوم مهلك معذور خير من منجى مغرور، إنّ الحذر لا يدفع القدر، وإنّ الصبر من أسباب الظفر، المنيّة ولا الدنيّة، واستقبال الموت خير من استدباره، والطعن في الثغر أكرم منه في الدبر؛ يا آل بكر شدّوا واستعدّوا، وإلا تشدّوا تردّوا. ثم قام حنظلة بن ثعلبة إلى وضين راحلة امرأته فقطعه، ثم تتبّع النساء فقطع وضينهنّ لئلّا يفزعهنّ الرجال، فسمّي يومئذ مقطّع الوضين- والوضين بطان الناقة- ثم إنّ القوم اقتتلوا صدر نهارهم أشدّ قتال رآه الناس إلى أن زالت الشمس، فشدّ الحوفزان، واسمه الحارث بن شريك، على الهامرز فقتله، وقتلت بنو عجل خنابزين، وضرب الله وجوه الفرس فانهزموا، وتبعتهم بكر بن وائل، وقتل خالد بن يزيد البهرانيّ، قتله الأسود بن شريك بن عمرو، وقتل عمرو بن عدي ابن زيد العبادي الشاعر، ولحق أسود بن بحتر بن عائد بن شريك العجلي النعمان ابن زرعة فقال له: يا نعمان هلمّ إليّ فأنا خير آسر، أنا خير لك من العطش.
قال: ومن أنت؟ قال: الأسود بن بحتر، فوضع يده في يده فجزّ ناصيته وخلّى
[١] قد مرّت هذه الخطبة في التذكرة ٢: (رقم: ١٠١٠) ونسبت لقبيصة بن مسعود وانظر التعليق عليها وتخريجها، ونهاية الأرب ٣: ٣٤٧.