أنهم علموا ذلك، على أني أعلم أنه لو نودي فيهم دهرا من الدهور ما حفظوه.
«٤٣» - خرج سليمان بن عبد الملك ومعه يزيد بن المهلب إلى بعض جبابين الشام، وإذا امرأة جالسة عند قبر تبكي، فجاء سليمان فرفعت البرقع عن وجهها، فجلت شمسا عن متون غمامة، فوقفا متعجبين ينظران إليها، فقال لها يزيد بن المهلب: يا أمة الله هل لك في أمير المؤمنين بعلا؟ فنظرت إليهما ثم نظرت إلى القبر فقالت:[من الطويل]
فلا تسألاني عن هواي فإنه ... بحوماء هذا القبر يا فتيان
وإني لأستحييه والترب بيننا ... كما كنت أستحييه وهو يراني
«٤٤» - كانت عند الحسن بن الحسن بن عليّ امرأة، فضجر يوما وقال: أمرك في يدك، فقالت: أما والله لقد كان في يدك عشرين سنة فحفظته، أفأضيّعه في ساعة صار في يدي؟! قد رددت إليك حقّك، فأعجبه قولها وأحسن صحبتها.
«٤٥» - ومن أحسن الوفاء ما روي عن نائلة بنت الفرافصة بن الأحوص الكلبي، تزوّجها عثمان بن عفّان، وكان أبوها نصرانيّا، فأمر ابنه ضبّا بتزويجها وحملها إليه بالمدينة، فلما أدخلت إليه قال لها: أتقومين إليّ أم أقوم إليك؟ قالت:
ما قطعت إليك عرض السماوة وأنا أريد أن أكلّفك طول البيت. فلما جلست بين يديه قال: لا يروعنّك هذا الشيب، قالت: أما إني من نسوة أحبّ أزواجهنّ إليهنّ الكهل السيّد، قال: حلّي إزارك، قالت: ذاك بك أحسن. فلما قتل أصابتها ضربة على يدها، وخطبها معاوية فردّته وقالت: ما يعجب الرجل مني؟