ليعملوا به لو قام به واحد لسقط عن الباقين ويسمى فرض كفاية والعلوم التي هي فروض كفاية على المشهور كل علم لا يستغنى عنه في قوام أمر الدنيا وقانون الشرع كفهم الكتاب والسنة وحفظهما من التحريفات ومعرفة الاعتقاد بإقامة البرهان عليه وإزالة الشبهة ومعرفة الآفات والفرائض والأحكام الفرعية وحفظ الأبدان والأخلاق والسياسة وكل ما يتوصل به إلى شيء من هذه كاللغة والتصريف والنحو والطب والمعاني والبيان وكالمنطق وتسيير الكواكب ومعرفة الأنساب والحساب إلى غير ذلك من العلوم التي هي وسائل إلى هذه المقاصد وتفاوت درجاتها في التأكيد بحسب الحاجة إليها.
الباب الثاني: في منشأ العلوم والكتب
وفيه فصول أيضاً
[الفصل الأول: في سببها]
وفيه إفهامات
الإفهام الأول: في أن العلم طبيعي للبشر وأنه محتاج إليه. اعلم أن الإنسان قد شاركه جميع الحيوان في حيوانيته من الحس والحركة والغذاء وغير ذلك من اللوازم وإنما يمتاز عنه بالفكر وإدراك الكليات الذي يهتدى به لتحصيل معاشه والتعاون عليه بأبناء جنسه وقبول ما جاءت به الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عن الله ﷾ والعمل واتباع صلاح أخراه فهو مفكر في ذلك دائماً لا يفتر عنه وعن هذا الفكر تنشأ العلوم والصنائع ثم لأجله ولما جبل عليه الإنسان بل الحيوان من تحصيل ما تستدعيه الطباع يكون الفكر راغباً في تحصيل ما ليس عنده من الإدراكات فيرجع إلى ما استفاد عنه إما من الافواه أو من الدوال عليه. فهذا ميل طبيعي من البشر إلى الأخذ والاستفادة فمنهم من ساعده فهمه ومنهم من لم يساعده مع ميله إليه وأما عدم الميل فلأمر عارضي كفساد المزاج وبعد المكان عن الاعتدال فلا اعتداد به.
الإفهام الثاني: في أن العلم والكتابة من لوازم التمدن. واعلم أن نوع الإنسان لما كان مدنياً بالطبع وكان محتاجاً إلى إعلام ما في ضميره إلى غيره وفهم ما في ضمير الغير اقتضت الحكمة الإلهية إحداث دوال يخف عليه إيرادها ولا يحتاج إلى غير الآلات الطبيعية فقاده الإلهام الإلهي إلى استعمال الصوت وتقطيع النفس الضروري بالآلة الذاتية إلى حروف يمتاز