للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولقب بهرمس الهرامسة والمثلث بالنعمة لأنه كان نبياً ملكاً حكيماً وجميع العلوم التي ظهرت قبل الطوفان إنما صدرت عنه في قول كثير من العلماء وهو هرمس الأول أعني إدريس بن يرد بن مهلايل بن أنوش بن شيث بن آدم المتمكن بصعيد مصر الأعلى وقالوا أنه أول من تكلم في الأجرام العلوية والحركات النجومية وأول من بنى الهياكل وعبد الله تعالى فيها وأول من نظر في الطب وألف لأهل زمانه قصائد في البسائط والمركبات وأنذر بالطوفان. ورأى أن آفة سماوية تلحق الأرض فخاف ذهاب العلم فبنى الأهرام التي في صعيد مصر الأعلى وصور فيها جميع الصناعات والآلات ورسم صفات العلوم والكمالات حرصاً على تخليدها ثم كان الطوفان وانقرض الناس فلم يبق علم ولا أثر سوى من في السفينة من البشر وذلك مذهب جميع الناس إلا المجوس فانهم لا يقولون بعموم الطوفان ثم أخذ يتدرج الاستئناف والإعادة فعاد ما اندرس من العلم إلى ما كان عليه من الفضل والزيادة فأصبح مؤسس البنيان مشيد الأركان لا زال مؤيداً بالملة الإسلامية إلى يوم الحشر والميزان.

[الفصل الثاني: في منشأ إنزال الكتب واختلاف الناس وانقسامهم]

وفيه إفصاحات

الإفصاح الأول: في حكمة إنزال الكتب واعلم أن الإنسان لما كان محتاجاً إلى اجتماع مع آخر من بني نوعه في إقامة معاشه والاستعداد لمعاده وذلك الاجتماع يجب أن يكون على شكل يحصل به التمانع والتعاون حتى يحفظ بالتمانع ما هو له ويحصل بالتعاون ما ليس له من الأمور الدنيوية والأخروية وكان في كثير منها ما لا طريق للعقل إليه وإن كان فيه فبأنظار دقيقة لا يتيسر إلا لواحد بعد واحد اقتضت الحكمة الإلهية إرسال الرسل وإنزال الكتب للتبشير والإنذار وإرشاد الناس إلى ما يحتاجون إليه من أمور الدين والدنيا فصورة الاجتماع على هذه الهيئة هي الملة والطريق الخاص الذي يصل إلى هذه الهيئة هو المنهاج والشرعة فالشريعة ابتدأت من نوح والحدود والأحكام ابتدأت من آدم وشيث وإدريس وختمت بأتمها وأكملها فمن الناس من آمن بهم واهتدى ومنهم من اختار الضلالة على الهدى فظهر اختلاف الآراء والمذاهب من الكفار والفرق الإسلامية وكل حزب بما لديهم فرحون.