الإفصاح الثاني: في أقسام الناس بحسب المذاهب والديانات اعلم أن التقسيم الضابط أن يقال من الناس من لا يقول بمحسوس ولا بمعقول وهم السوفسطائية فإنهم أنكروا حقائق الأشياء. ومنهم من يقول بالمحسوس ولا يقول بالمعقول وهم الطبيعية وكل منهم معطل لا يرد عليه فكره براد ولا يهديه عقله ونظره إلى اعتقاد ولا يرشده ذهنه إلى معاد قد ألف المحسوس وركن إليه وظن أن لا عالم وراء العالم المحسوس ويقال لهم الدهريون أيضاً لأنهم لا يثبتون معقولاً.
ومنهم من يقول بالمحسوس والمعقول ولا يقول بحدود والأحكام وهم الفلاسفة فكل منهم قد ترقى عن المحسوس وأثبت المعقول لكنه لا يقول بحدود وأحكام وشريعة وإسلام ويظن أنه إذا حصل له المعقول وأثبت العالم مبدأ ومعاداً وصل إلى الكمال المطلوب من جنسه فيكون سعادته على قدر إحاطته وعلمه وشقاوته بقدر جهله وسفاهته وعقله هو المستبد بتحصيل هذه السعادة. وهؤلاء الذين كانوا في الزمن الأولى دهرية وطبيعية وإلهية لا الذين اخذوا علومهم عن مشكاة النبوة. ومنهم من يقول بالمحسوس والمعقول والحدود والأحكام ولا يقول بالشريعة والإسلام. وهم الصابئة فهم قوم يقرب من الفلاسفة ويقولون بحدود وأحكام عقلية ربما أخذوا أصولها وقوانينها من مؤيد بالوحي إلا أنهم اقتصروا على الأول منهم وما تعدوا إلى الآخر وهؤلاء هم الصابئة الأولى الذين قالوا بغاذيمون وهرمس وهما شيث وإدريس ﵉ ولم يقولوا بغيرهما من الأنبياء.
ومنهم من يقول بهذه كلها وشريعة ما وإسلام ولا يقول بشريعة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم وهم المجوس واليهود والنصارى.
ومنهم من يقول بهذه كلها وهم المسلمون وكانوا عند وفاة النبي ﷺ على عقيدة واحدة إلا من كان يبطن النفاق ثم نشأ الخلاف فيما بينهم أولاً في أمور اجتهادية وكان غرضهم.
منها إقامة مراسم الدين كاختلافهم في التخلف عن جيش أسامة وفي موته صلى الله تعالى عليه وسلم وفي موضع دفنه وفي الإمامة وفي ثبوت الإرث عنه صلى الله تعالى عليه وسلم وفي قتال مانعي الزكاة وفي خلافة علي ومعاوية وكاختلافهم في بعض الأحكام الفرعية ثم يتدرج ويترقى إلى آخر أيام الصحابة ﵃ فظهر قوم خالفوا في القدر ولم يزل الخلاف يتشعب حتى تفرق أهل الإسلام إلى ثلاث وسبعين فرقاً [فرقة] كما أشار إليه الرسول ﵊ وكان من معجزاته ولكن كبار الفرق الإسلامية ثمانية وهم المعتزلة والشيعة والخوارج والمرجئة والنجارية والجبرية والمشبهة والناجية ويقال لهم أهل السنة والجماعة هذا ما ذكروه في كتب الفرق.