للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فنفقت له سوق العلم وقامت دولة الحكمة في عصره وكذلك سائر الفنون فأتقن جماعة من ذوي الفهم في أيامه كثيراً من الفلسفة ومهدوا أصول الأدب وبينوا منهاج الطلب ثم أخذ الناس يزهدون في العلم ويشتغلون عنه بتزاحم الفتن تارة وبجمع الشمل أخرى إلى أن كاد يرتفع جملة وكذا شأن سائر الصنائع والدول فإنها تبتدئ قليلاً قليلاً ولا تزال يزيد حتى يصل إلى غاية هي منتهاه ثم يعود إلى النقصان فيؤول أمره إلى الغيبة في مهاوي النسيان والحق أن أعظم الأسباب في رواج العلم وكساده هو رغبة الملوك في كل عصر وعدم رغبتهم فإنا لله وإنا إليه راجعون.

الباب الثالث في المؤلفين والمؤلفات (١) وفيه ترشيحات

الترشيح الأول في أقسام التدوين وأصناف المدونات.

واعلم أن كتب العلوم كثيرة لاختلاف أغراض المصنفين في الوضع والتأليف ولكن تنحصر من جهة المعنى في قسمين.

الأول إما أخبار مرسلة وهي كتب التواريخ وإما أوصاف وأمثال ونحوها قيدها النظم وهي دواوين الشعر.

والثاني قواعد علوم وهي تنحصر من جهة المقدار في ثلاثة أصناف.

الأول مختصرات تجعل تذكرة لرؤوس المسائل ينتفع بها المنتهي للاستحضار وربما أفادت بعض المبتدئين الأذكياء لسرعة هجومهم على المعاني من العبارات الدقيقة.

والثاني مبسوطات تقابل المختصر وهذه ينتفع بها للمطالعة والثالث متوسطات وهذه نفعها عام.

ثم أن التأليف على سبعة أقسام لا يؤلف عالم عاقل إلا فيها وهي إما شيء لم يسبق إليه فيخترعه أو شيء ناقص يتممه أو شيء مغلق يشرحه أو شيء طويل يختصره دون أن يخل بشيء من معانيه أو شيء متفرق يجمعه أو شيء مختلط يرتبه أو شيء أخطأ فيه مصنفه فيصلحه. وينبغي لكل مؤلف كتاب في فن قد سبق إليه أن لا يخلو كتابه من خمس فوائد استنباط شيء كان معضلاً أو جمعه إن كان مفرقاً أو شرحه إن كان غامضاً أو حسن نظم وتأليف أو إسقاط حشو وتطويل. وشرط في التأليف إتمام الغرض الذي وضع الكتاب لأجله من غير زيادة ولا نقص وهجر اللفظ الغريب وأنواع المجاز اللهم إلا في الرمز


(١) التأليف ايقاع الالفة بين الكلام مع التمييز بين الانواع والتصنيف اعم منه اذ هو جعل الشئ اصنافا متميزة هذا بحسب الاصل وقد يستعمل كل مكان الآخر (منه).