والاحتراز عن إدخال علم في علم آخر وعن الاحتجاج بما يتوقف بيانه على المحتج به عليه لئلا يلزم الدور. وزاد المتأخرون اشتراط حسن الترتيب ووجازة اللفظ ووضوح الدلالة وينبغي أن يكون مسوقاً على حسب إدراك أهل الزمان وبمقتضى ما تدعوهم إليه الحاجة فمتى كانت الخواطر ثاقبة والأفهام للمراد من الكتب متتاولة قام الاختصار لها مقام الإكثار وأغنت بالتلويح عن التصريح وإلا فلا بد من كشف وبيان وإيضاح وبرهان ينبه الذاهل ويوقظ الغافل. وقد جرت عادة المصنفين بأن يذكروا في صدر كل كتاب تراجم تعرب عنه سموها الرؤوس وهي ثمانية الغرض وهو الغاية السابقة في الوهم المتأخرة في الفعل والمنفعة ليتشوق الطبع والعنوان الدال بالإجمال على ما يأتي تفصيله وهو قد يكون بالتسمية وقد يكون بألفاظ وعبارات تسمى ببراعة الاستهلال والواضع ليعلم قدره ونوع العلم وهو الموضوع ليعلم مرتبته وقد يكون الكتاب مشتملا على نوع ما من العلوم وقد يكون جزأ من أجزائه وقد يكون مدخلاً كما سبق في بحث الموضوع ومرتبة ذلك الكتاب أي متى يجب أن يقرأ وترتيبه ونحو التعليم المستعمل فيه وهو بيان الطريق المسلوك في تحصيل الغاية.
وأنحاء التعليم خمسة.
الأول التقسيم والقسمة المستعملة في العلوم قسمة العام إلى الخاص وقسمة الكل إلى الجزء أو الكلي إلى الجزئيات وقسمة الجنس إلى الأنواع وقسمة النوع إلى الأشخاص وهذه قسمة ذاتي إلى ذاتي. وقد يقسم الكلي إلى الذاتي والعرضي والذاتي إلى العرضي والعرضي إلى الذاتي والعرضي إلى العرضي والتقسيم الحاصر هو المردد بين النفي والإثبات.
والثاني التركيب وهو جعل القضايا مقدمات تؤدي إلى المعلوم.
والثالث التحليل وهو إعادة تلك المقدمات.
والرابع التحديد وهو ذكر الأشياء بحدودها الدالة على حقائقها دلالة تفصيلية.
والخامس البرهان وهو قياس صحيح عن مقدمات صادقة وإنما يمكن استعماله في العلوم الحقيقية وأما ما عداها فيكتفي بالإقناع.
الترشيح الثاني في الشرح وبيان الحاجة إليه والأدب فيه. واعلم أن كل من وضع كتاباً إنما وضعه ليفهم بذاته من غير شرح وإنما احتيج إلى الشرح لأمور ثلاثة:
الأمر الأول كمال مهارة المصنف فإنه لجودة ذهنه وحسن عبارته يتكلم على معان دقيقة بكلام وجيز كافياً في الدلالة على المطلوب وغيره ليس في مرتبته فربما عسر عليه فهم بعضها