قد تفرق ملكها وتشتت أمرها فضم الله ﷾ به شاردها وجمع عليه جماعة من قحطان وعدنان فآمنوا به ورفضوا جميع ما كانوا عليه والتزموا شريعة الإسلام من الاعتقاد والعمل ثم لم يلبث رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلا قليلاً حتى توفي وخلفه أصحابه رضي الله تعالى عنهم أجمعين فغلبوا الملوك وبلغت مملكة الإسلام في أيام عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه من الجلالة والسعة إلى حيث نبه عليه النبي ﵊ في قوله زويت لي الأرض فأريت مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوى لي منها فأباد الله ﷾ بدولة الإسلام دولة الفرس بالعراق وخراسان ودولة الروم بالشام ودولة القبط بمصر فكانت العرب في صدر الإسلام لا تعتني بشيء من العلوم إلا بلغتها ومعرفة أحكام شريعتها وبصناعة الطب فإنها كانت موجودة عند أفراد منهم لحاجة الناس طرا إليها وذلك منهم صوناً لقواعد الإسلام وعقائد أهله عن تطرق الخلل من علوم الأوائل قبل الرسوخ والأحكام حتى يروى انهم أحرقوا ما وجدوا من الكتب في فتوحات البلاد وقد ورد النهي عن النظر في التوراة والإنجيل لاتحاد الكلمة واجتماعها على الأخذ والعمل بكتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم واستمر ذلك إلى آخر عصر التابعين ثم حدث اختلاف الآراء وانتشار المذاهب فآل الأمر إلى التدوين والتحصين.
الإشارة الثانية في الاحتياج إلى التدوين. واعلم أن الصحابة والتابعين رضوان الله تعالى عليهم أجمعين لخلوص عقيدتهم ببركة صحبة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وقرب العهد إليه ولقلة الاختلاف والواقعات وتمكنهم من المراجعة إلى الثقات كانوا مستغنين عن تدوين علم الشرائع والأحكام حتى أن بعضهم كره كتابة العلم واستدل بما روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أنه استأذن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في كتابة العلم فلم يأذن له وروي عن ابن عباس أنه نهى عن الكتابة وقال إنما ضل من كان قبلكم بالكتابة وجاء رجل إلى عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال إني كتبت كتاباً أريد أن أعرض عليك فلما عرض عليه أخذ منه ومحا بالماء وقيل له لماذا فعلت قال لأنهم إذا كتبوا اعتمدوا على الكتابة وتركوا الحفظ فيعرض الكتاب عارض فيفوت علمهم. واستدل أيضاً بأن الكتاب مما يزيد فيه وينقص ويغير والذي حفظ لا يمكن تغييره لأن الحافظ يتكلم بالعلم والذي يخبر عن الكتابة يخبر بالظن والنظر. ولما انتشر الإسلام واتسعت الأمصار وتفرقت الصحابة في الأقطار وحدثت الفتن واختلاف الآراء وكثرت