للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

على تلقي كتابيهما بالقبول والتسليم إلا ما انتقد عليهما. والجواب عن ذلك على الإجمال أنه لا ريب في تقديم الشيخين على أئمة عصرهما ومن بعدهما في معرفة الصحيح والعلل وقد روى الفربري عن البخاري أنه قال ما أدخلت في الصحيح حديثاً إلا بعد أن استخرت الله تعالى وثبت صحته وكان مسلم يقول عرضت كتابي على أبي زرعة فكلما [فكل ما] أشار إلى أن له علة تركته فإذا علم هذا قد تقرر أنهما لا يخرجان من الحديث إلا ما لا علة له أوله علة إلا أنها غير مؤثرة وعلى تقدير توجيه كلام من انتقد عليهما يكون كلامه معارضاً لتصحيحهما ولا ريب في تقديمهما في ذلك على غيرهما فيندفع الاعتراض من حيث الجملة والتفصيل في محله (١) ثم اعلم أنه قد التزم مع صحة الأحاديث استنباط الفوائد الفقهية والنكت الحكمية فاستخرج بفهمه الثاقب من المتون معاني كثيرة فرقها في أبوابه بحسب المناسبة واعتنى فيها بآيات الأحكام وسلك في الإشارات إلى تفسيرها السبل الوسيعة ومن ثم أخلى كثيراً من الأبواب من ذكر إسناد الحديث واقتصر على قوله فلان عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وقد يذكر المتن بغير إسناد وقد يورده معلقاً لقصد الاحتجاج إلى ما [لما] ترجم له وأشار للحديث لكونه معلوماً أو سبق قريباً ويقع في كثير من أبوابه أحاديث كثيرة وفي بعضها حديث واحد وفي بعضها آية من القرآن فقط وفي بعضها لا شيء فيه. ذكر أبو الوليد الباجي في رجال [في أسماء رجال] البخاري أنه استنسخ البخاري من أصله الذي كان عند الفربري فرأى أشياء لم تتم وأشياء مبيضة منها تراجم لم يثبت بعد شيئاً وأحاديث لم يترجم لها فأضاف بعض ذلك إلى بعض قال ومما يدل على ذلك أن رواية المستملي والسرخسي والكشميهني وابن [وأبي] زيد المروزي مختلفة بالتقديم والتأخير مع أنهم استنسخوها من أصل واحد وإنما ذلك بحسب ما قد رأى كل منهم ويبين ذلك أنك تجد ترجمتين وأكثر من ذلك متصلتين ليس بينهما أحاديث. وفي قول الباجي نظر من حيث أن الكتاب قرئ على مؤلفه ولا ريب أنه لم يقرأ عليه إلا مرتباً مبوباً فالعبرة بالرواية. ثم إن تراجم الأبواب قد تكون ظاهرة وخفية فالظاهرة أن تكون دالة بالمطابقة لما يورده وقد تكون بلفظ المترجم له أو ببعضه أو بمعناه وكثيراً ما يترجم بلفظ الاستفهام وبأمر ظاهر وبأمر يختص


(١) ذكر الخطابى في شرحه ان هذا الكتاب مشتمل على صعاب الاحاديث وعضل الاخبار في انواع العلوم المختلفة التى قد خلا عن اكثرها غيره اذ كان غرضه ذكر ما صح عن رسول الله من حديث في جليل من العلم او دقيق (منه).