للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالمباشرة إلا أن حصول الملكات عن المباشرة والتلقين أشد استحكاماً وأقوى رسوخاً فعلى قدر كثرة الشيوخ يكون حصول الملكة ورسوخها. والاصطلاحات أيضاً في تعليم العلوم مغلطة على المتعلم حتى ظن كثير منهم أنها جزء من العلم ولا يدفع عنه ذلك إلا بمباشرته لاختلاف الطرق فيها من المعلمين فلقاء أهل العلوم وتعدد المشايخ يفيده تمييز الاصطلاحات بما يراه من اختلاف طرقهم فيها فيجرد العلم عنها ويعلم أنها أنحاء تعليم وتنهض قواه إلى الرسوخ والاستحكام في الملكات فالرحلة لا بد منها في طلب العلم لاكتساب الفوائد والكمال بلقاء المشايخ ومباشرة الرجال.

المنظر الخامس: في موانع العلوم وعوائقها وفيه فتوحات.

فتح: واعلم أنه على كل خير مانع وعلى العلم موانع منها الوثوق بالمستقبل والوثوق بالذكاء والانتقال من علم إلى علم قبل أن يحصل منه قدر يعتد به أو من كتاب إلى كتاب قبل ختمه ومنها طلب المال أو الجاه أو الركون إلى اللذات البهيمية ومنها ضيق الحال وعدم المعونة على الاشتغال ومنها إقبال الدنيا وتقليد الأعمال ومنها كثرة التآليف في العلوم وكثرة الاختصارات فإنها مخلة عائقة.

فتح: أما الوثوق بالمستقبل فلا ينبغي للعاقل لأن كل يوم آت بمشاغله فلا يؤخر شغل يومه إلى غد.

فتح: وأما الوثوق بالذكاء فهو من الحماقة وكثير من الأذكياء فاته العلم بهذا السبب.

فتح: وأما الانتقال من علم إلى علم قبل أن يستحكم الأول فهو سبب الحرمان عن الكل فلا يجوز وكذا الانتقال من كتاب إلى كتاب كذلك.

فتح: وأما طلب المال أو الجاه والركون إلى اللذات البهيمية فالعلم أعز أن ينال مع غيره أو على سبيل التبعية ولذلك ترى كثيراً من الناس لا ينالون من العلم قدراً صالحاً يعتد به لاشتغالهم عنه بطلب المنصب والمدرسة وهم يطلبونه دائماً ليلاً ونهاراً سراً وجهاراً ولا يفترون وكان ذكرهم وفكرهم تحصيل المال والجاه مع انهماكهم في اللذات الفانية وعدم ركونهم إلى السعادة الباقية ومناصبهم في الحقيقة مناصب أجنبية لأنها شاغلة عن الشغل والتحصيل على القانون المعتبر في طريقه.

فتح: وأما ضيق الحال وعدم المعونة على الاشتغال فمن أعظم الموانع وأشدها لأن صاحبه مهموم مشغول القلب أبداً.

فتح: وأما إقبال الدنيا وتقلد الأعمال فلا شك أنه يمنع صاحبه عن التعليم والتعلم.