هذا العلم انتهت إلى البخاري ومسلم ومن كان في عصرهما ثم نزل وتقاصر إلى ما شاء الله ثم إن هذا العلم على شرفه وعلو منزلته كان علماً عزيزاً مشكل اللفظ والمعنى ولذلك كان الناس في تصانيفهم مختلفي الأغراض فمنهم من قصر همته على تدوين الحديث مطلقاً ليحفظ لفظه ويستنبط منه الحكم كما فعله عبد الله بن موسى العبسي وأبو داود الطيالسي وغيرهما أولاً وثانياً أحمد بن حنبل ومن بعده فإنهم أثبتوا الأحاديث في مسانيد روايتها فيذكرون مسند أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه مثلاً ويثبتون فيه كل ما رووه عنه ثم يذكرون بعده الصحابة واحداً بعد واحد على هذا النسق ومنهم من يثبت الأحاديث في الأماكن التي هي دليل عليها فيضعون لكل حديث باباً يختص به فإن كان في معنى الصلاة ذكروه في باب الصلاة وإن كان في معنى الزكاة ذكروه فيها كما فعل مالك في الموطأ إلا أنه لقلة ما فيه من الأحاديث قلت أبوابه ثم اقتدى به من بعده فلما انتهى الأمر إلى زمن البخاري ومسلم وكثرت الأحاديث المودعة في كتابيهما كثرت أبوابهما واقتدى بهما من جاء بعدهما وهذا النوع أسهل مطلباً من الأول لأن الإنسان قد يعرف المعنى وإن لم يعرف راويه بل ربما لا يحتاج إلى معرفة راويه فإذا أراد حديثاً يتعلق بالصلاة طلبه من كتاب الصلاة لأن الحديث إذا أورد في كتاب الصلاة علم الناظر أن ذلك الحديث هو دليل ذلك الحكم فلا يحتاج أن يفكر فيه بخلاف الأول ومنهم من استخرج أحاديث تتضمن ألفاظاً لغوية ومعاني مشكلة فوضع لها كتاباً قصره على ذكر متن الحديث وشرح غريبه وإعرابه ومعناه ولم يتعرض لذكر الأحكام كما فعل أبو عبيد القاسم بن سلام وأبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة وغيرهما ومنهم من أضاف إلى هذا الاختيار ذكر الأحكام وآراء الفقهاء مثل أبي سليمان حمد بن محمد الخطابي في معالم السنن وأعلام السنن وغيره من العلماء ومنهم من قصد ذكر الغريب دون متن الحديث واستخرج الكلمات الغريبة ودونها ورتبها وشرحها كما فعل أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي وغيره من العلماء ومنهم من قصد إلى استخراج أحاديث ترغيباً وترهيباً وأحاديث متضمن أحكاماً شرعية غير جامعة فدونها وأخرج متونها وحدها كما فعله أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي في المصابيح وغير هؤلاء ولما كان أولئك الأعلام هم السابقون فيه لم يأت صنيعهم على أكمل الأوضاع فإن غرضهم كان أولاً حفظ الحديث مطلقاً وإثباته ودفع الكذب عنه والنظر في طرقه