للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحديث وتصحيحه وهذه كانت وظيفة الأولين وقد كفوا تلك المؤنة فلا حاجة بهم إلى ذكر ما فرغوا منه ووضعوا لأصحاب الكتب الستة علامةً ورمزاً بالحروف فجعلوا للبخاري خ لأن نسبه إلى بلده أشهر من اسمه وكنيته وليس في حروف باقي الأسماء خاء ولمسلم م لأن اسمه أشهر من نسبه وكنيته ولمالك ط لأن اشتهار كتابه بالموطأ أكثر ولأن الميم أول حروف اسمه وقد أعطوها مسلماً وباقي حروفه مشتبهة بغيرها. وللترمذي ت لأن اشتهاره بنسبه أكثر ولأبي داود د لأن كنيته أشهر من اسمه ونسبه والدال أشهر حروفها وأبعدها من الاشتباه وللنسائي س لأن نسبه أشهر من اسمه وكنيته والسين أشهر حروف نسبه وكذلك وضعوا لأصحاب المسانيد بالإفراد والتركيب كما هو مسطور في الجوامع ثم إن أحوال نقلة الحديث في عصر الصحابة والتابعين معروفة عند كل أهل بلدة فمنهم بالحجاز ومنهم بالبصرة والكوفة من العراق ومنهم بالشام ومصر وكانت طريقة أهل الحجاز في الأسانيد أعلى ممن سواهم وأمتن في الصحة لاشتدادهم في شروط النقل من العدالة والضبط وسيد الطريقة الحجازية بعد السلف الإمام مالك عالم المدينة ثم أصحابه مثل الشافعي والقعنبي وابن وهب ومن بعدهم الإمام أحمد بن حنبل وكتب مالك رحمة الله تعالى عليه الموطأ أودعه أصول الأحكام من الصحيح ثم عنى الحفاظ لمعرفة طرق الأحاديث وأسانيدها المختلفة وربما يقع إسناد الحديث من طرق متعددة عن رواة مختلفين وقد يقع الحديث أيضاً في أبواب متعددة باختلاف المعاني التي اشتمل عليها وجاء البخاري فخرج الأحاديث على أبوابها بجميع الطرق التي للحجازيين والعراقيين والشاميين واعتمد منها ما أجمعوا عليه وكرر الأحاديث وفرق الطرق والأسانيد في الأبواب ثم جاء مسلم فألف مسنده وحذا فيه حذو البخاري وجمع الطرق والأسانيد وبوبه ومع ذلك فلم يستوعبا الصحيح كله وقد استدرك الناس عليهما في ذلك ثم كتب أبو داود والترمذي والنسائي في السنن فتوسعوا من الصحيح والحسن وغيرهما. قال ابن خلدون أما البخاري وهو أعلاها رتبة، ستصعب الناس شرحه واستغلقوا منحاه من أجل ما يحتاج إليه من معرفة الطرق المتعددة ورجالها من أهل الحجاز والشام والعراق ومعرفة أحوالهم واختلاف الناس فيهم ولأجل ذلك يحتاج إلى إمعان النظر في التفقه في تراجمه ولقد سمعت كثيراً من شيوخنا يقولون شرح كتاب البخاري دين على الأمة يعنون أن أحداً