للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسيأتي في الراء وإما علم بأحوال ما يفتقر إليها في الوجود الخارجي والتعقل كالإنسان وهو العلم الأدنى ويسمى بالطبيعي وسيأتي في الطاء وجعل بعضهم ما لا يفتقر إلى المادة أصلاً قسمين ما لا يقارنها مطلقاً كالآلة والعقول وما يقارنها لكن لا على وجه الافتقار كالوحدة والكثرة وسائر أمور العامة فيسمى العلم بأحوال الأول علماً إلهياً والعلم بأحوال الثاني علماً كلياً وفلسفة أولى.

واختلفوا في أن المنطق من الحكمة أم لا فمن فسرها بما يخرج به النفس إلى كمالها الممكن في جانبي العلم والعمل جعله منها بل جعل العمل أيضاً منها وكذا من ترك الأعيان في تعريفها جعله من أقسام الحكمة النظرية إذا لا يبحث فيه إلا عن المعقولات الثانية (١) التي ليس وجودها بقدرتنا واختيارنا وأما من فسرها بأحوال الأعيان الموجودة وهو المشهور بينهم فلم يعده منها لأن موضوعه ليس من أعيان الموجودات والأمور العامة (٢) ليست بموضوعات بل محمولات (٣) تثبت للأعيان فتدخل في التعريف.

ومن الناس من جعل الحكمة اسماً لاستكمال النفس الإنسانية في قوتها النظرية أي خروجها من القوة إلى الفعل في الإدراكات التصورية والتصديقية بحسب الطاقة البشرية. ومنهم من جعلها اسماً لاستكمال القوة النظرية بالإدراكات المذكورة واستكمال القوة العملية باكتساب الملكة التامة على الأفعال الفاضلة المتوسطة بين طرفي الإفراط والتفريط. وكلام الشيخ في عيون الحكمة يشعر بالقول الأول وهو أنه جعل الحكمة اسماً للكمالات المعتبرة في القوة النظرية فقط وذلك لأنه فسر الحكمة باستكمال النفس الإنسانية بالتصورات والتصديقات سواء كانت في الأشياء النظرية أو في الأشياء العملية فهي مفسرة عنده باكتساب هذه الإدراكات وأما اكتساب الملكة التامة على الأفعال الفاضلة فما جعلها جزأً منها بل جعلها غايةً للحكمة العملية. وأما حكمة الإشراق فهي من العلوم الفلسفية بمنزلة التصوف من العلوم الإسلامية كما أن الحكمة الطبيعية والإلهية منها بمنزلة الكلام منها وبيان ذلك أن السعادة العظمى والمرتبة العليا للنفس الناطقة هي معرفة الصانع بما له من صفات الكمال والتنزه عن النقصان بما صدر عنه من الآثار والأفعال في النشأة الأولى والآخرة وبالجملة


(١) هى ما لا يعقل الا عارضا لمعقول آخر ولم يكن في الاعيان ما يطابقه وقيل هى العوارض المخصوصة بالوجود الذهنى (منه).
(٢) جواب سؤال تقديره على هذا لا يكون العلم باحوال الامور العامة منها لانها غير موجودة في الخارج (منه).
(٣) لان قولنا الوجود زائد في الممكن في قوة قولنا الممكن موجود بوجود زائد (منه).