للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المتنبي على أنه كان صاحب معان مخترعة بديعة ولطائف أبكار لم تسبق إليها دقيقة ولقد صدق من قال:

ما رأى الناس ثاني المتنبي*أي ثان يرى لبكر الزمان وهو في شعره تنبئ ولكن*ظهرت معجزاته في المعاني ولهذا خفيت معانيه على أكثر من روى شعره من أكابر الفضلاء كالقاضي أبي الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني صاحب كتاب الوساطة وأبي الفتح عثمان بن جني النحوي له عليه شرحان المتوفى سنة ٣٩٢ اثنتين وتسعين وثلاثمائة وأبي العلاء المعري وهو أحمد بن عبد الله المتوفى سنة ٤٤٩ تسع وأربعين وأربعمائة وسمي شرحه اللامع العزيزي (١) وأبي علي وهو محمد بن حمزة بن فورجة البروجردى (١) وتكلموا في معاني شعره مما اخترعه وانفرد بالأغراب (٢) فيه وأبدعه وخفي عليهم بعضه فلم يتبين لهم غرضه المقصود لبعد مرماه. أما القاضي أبو الحسن فإنه ادعى التوسط بين صاغية [ضاغنة] المتنبي ومحبيه وذكر أن قوماً مالوا إليه حتى فضلوه في الشعر على جميع أهل زمانه وقومًا لم يعدوه من الشعراء وآزروه بالشعر غاية الإزراء حتى قالوا أنه لا ينطق إلا بالهزا [بالهراء] ولم يتكلم إلا بالكلمة العوراء ومعانيه كلها مسروقة فتوسط بين الخصمين وذكر الحق من القولين. وأما ابن جني فإنه كان من الكبار في صنعة الإعراب والتصريف غير أنه إذا تكلم في المعاني تبلد حماره ولقد استهدف في كتاب الفسر [الصبر] (٣) غرضاً للمطاعن إذ قد حشاه بالشواهد الكثيرة التي لا حاجة بها المستغني عنها في صنعة الإعراب ومن حق المصنف أن يكون كلامه مقصوراً على المقصود بكتابه وبما يتعلق به من أسبابه غير عادل إلى ما لا يحتاج إليه ثم إذا انتهى به الكلام إلى بيان المعاني عاد طويل كلامه قصيراً. وأما ابن فورجة فإنه كسر مجلدتين لطيفتين على شرح معاني هذا الديوان سمي إحداهما التجني على ابن جني والآخر الفتح على أبي الفتح أفاد في الكثير منهما غائصاً على الدرر ثم لم يخل من ضعف القوة البشرية والسهو الذي قلما يخلو عنه أحد من البرية ولقد تصحفت كتابيه وأعلمت على مواضع الزلل ومع شغف الناس وإجماع أكثر أهل البلدان على تعلم هذا الديوان لم يقع له شرح شاف يفتح الغلق ولا بيان عن معانيه كاشف الأستار فتصديت بما رزقني الله من


(١) ولابى العلاء احمد بن عبد الله المعرى كتاب الفتحى ويعرف باللامع العزيزى في شرح ديوان المتنبي الفه لعزيز الدولة ابى الدوام نايب ثمال بن نصر بن صالح بن مرداس صاحب حلب مائة وعشرين كراسة (منه).
(٢) بالاغرب: تحريف ٨ - ٣٠٧ - ٣
(٣) الروموزنى: غلط ٣ - ٧٠٣ - ٨ افنين: غلط ٣ - ٨٠٣ - ٩