لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} [الروم: ٢١]. ومعنى "من أنفسهم" أي: من جنسهم، ولا شك أن كونه من جنسنا أتم في النعمة؛ لأنه لو كان من الملائكة ما أَلِفَه الناس، ولا ركنوا إليه، وربما لا يقبلون منه، فإذا كان من جنسهم يأكل كما يأكلون، ويشرب كما يشربون، وينام كما ينامون، ويكون معهم في أسواقهم وفي بيوتهم، كان ذلك أبلغ في المنَّة.
وقوله:{يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ}:
جملة (يتلو) صفة ثانية لـ (رسولا) أي: رسولًا من أنفسهم تاليًا عليهم آياته.
والتلاوة هنا تشمل التلاوة لفظًا، والتلاوة معنى، والتلاوة حكمًا؛ فالتلاوة لفظًا: أن يقرأ الكتاب بينهم، والتلاوة معنًى أن يُعلِّمهم معانيه، والتلاوة حكمًا أن يعمل بأحكامه عليه الصلاة والسلام. ولا شك أن هذه الثلاثة كلها تحتملها كلمة (يتلو)؛ فهو عليه الصلاة والسلام يتلوه لفظًا ويتلوه معنًى. قال تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}[النحل: ٤٤] ويتلوه عليهم كذلك حكمًا. قالت عائشة:(كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يُكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، يتأول القرآن)(١) يعني: يطبقه.
{آيَاتِهِ} هل هي الآيات الكونية أو الشرعية؟ الظاهر المراد آياته الشرعية، وهي الوحي الذي أنزله على رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
{وَيُزَكِّيهِمْ} أي: يُطهِّرهم حسًّا ومعنى. أما الطهارة حسًّا