فقد أمرهم بالوضوء عند الصلاة، وأمرهم بالغسل من الجنابة، وأمرهم بإزالة النجاسة، بل حثَّ على النظافة عمومًا. وأما التزكية معنى فهي أنه طهّر قلوبهم من الشرك والشك والنفاق وسوء الأخلاق، وهذّب أخلاقهم عليه الصلاة والسلام، حتى زكت نفوسهم وأخلاقهم.
وقوله:{وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}:
ليست تكرارًا مع قوله:{يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ} لأن الأول تلاوة والثاني تعليم، والتعليم أخص من التلاوة؛ لأن الإنسان إذا تلا عندك القرآن لا يُعد معلمًا لك يُعلمك. إنما يكون معلمًا إذا أقرأك إياه ولقنك إياه.
فالنبي عليه الصلاة والسلام كان يُعلمهم الكتاب، والتعليم هنا شامل لتعليم اللفظ، وتعليم المعنى، وتعليم الحكم، أي العمل به.
وقوله:{الْكِتَابَ} أي: القرآن، وسُمِّي كتابًا لأنه مكتوب، فهو فِعَالٌ بمعنى مفعول، وقد تكرَّر علينا كثيرًا أن فِعَال تأتي بمعنى مفعول، ومن أمثلته: فِراش بمعنى مفروش، وغراس بمعنى مغروس، وبناء بمعنى مبني؛ فالقرآن كتاب، يعني: مكتوب؛ كُتب في اللوح المحفوظ، وفي الكتب التي بأيدي السفرة، والكتب التي بأيدينا.
قال بعض أهل العلم: إن المراد بالكتاب هنا الكتابة؛ لأن العرب كانوا أميين، فلما نزل هذا الكتاب العظيم تعلموا الكتاب؛ فصاروا يكتبونه للرسول - صلى الله عليه وسلم - ثم صاروا يكتبون بعض الأحاديث، ثم انتشرت الكتابة فيهم.