للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

للكافرين، ولكنهم رضي الله عنهم، وعفا عنهم، لما رأوا المشركين قد انهزموا، ورأوا أن المسلمين بدأوا يجمعون الغنائم، ظنوا أن الحرب انتهت، فنزلوا من المكان الذي عيَّنه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وحصل ما حصل؛ فإن الفرسان من المشركين لما رأوا الثغر الذي يحمي المسلمين من ورائهم خاليًا، كروا من وراء المسلمين واختلطوا بهم، وحصل ما أراد الله عزّ وجل. هذا معنى قوله: {هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ}.

ثم قال: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} وخَتْمُ الآية بهذه الجملة في غاية ما يكون من المناسبة؛ فهو قدير على أن ينتصر من هؤلاء المشركين، ولكنه لم يفعل ذلك لحكمة، كما قال تعالى: {ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} [محمد: ٤] لأن الله لو شاء لأماتهم، أو خسف بهم، أو أنزل عليهم صواعق، أو ما أشبه ذلك {وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (٤) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (٥) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ} [محمد: ٤ - ٦].

وقوله: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} "كل شيء" عامة تشمل كل شيء؛ تشمل ما كان موجودًا؛ فهو قادر على إعدامه، وما كان معدومًا؛ فهو قادر على إيجاده، ولا استثناء في هذا العموم. وأما قول بعض المفسرين رحمهم الله في سورة المائدة {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [المائدة: ١٢٠]: وخصّ العقل ذاته فليس عليه بقادر؛ فهذا تخصيص في غير محله.

أولًا: لأن العقل ليس له تدخل في صفات الله عزّ وجل.

وثانيًا: نقول: ما تريد بقولك: وخص العقل ذاته؟ هل تريد

<<  <  ج: ص:  >  >>