للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال في المؤمنين: {وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ} بالوصف، وأما في المنافقين فقال: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ} إلى آخره فأتى بالفعل، وذلك لأن النفاق طارئ عليهم، فلأنَّ كثيرًا من المنافقين كان آمن ثم كفر {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا} [المنافقون: ٣]، ولهذا أتى بالفعل الذي يدل على التجدد، وأيضًا لينالسب قوله: {وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا}.

وقوله: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا}:

النفاق في الأصل هو إظهار خلاف الواقع، ومنه سمي نفق الجربوع أو اليربوع؛ فإنه من ذكائه إذا حفر له جحْرًا جعل له بابًا ظاهرًا يدخل منه ويخرج منه، ويجعل في أقصى ذلك الجحْر طبقة خفيفة؛ يعني: يخرق إلى أن يصل إلى قريب من الانفتاح، فتبقى طبقة خفيفة جدًا من أجل أنه إذا فوجئ من باب الجحر، خرج من هذه القشرة الرقيقة، لأنها تكون سهلة عليه، فيكون هذا مخادعة؛ لأن الصائد إذا أراد صيده وهجم عليه من الباب، لا يدري أن هناك نفقًا يخرج منه.

واليربوع حلال، وهو يشبه الفأر إلى حدٍّ كبير، لكن له أرجلًا طويلةً وأيادِيَ قصيرة، وذيلًا طويلًا في طرفه هدب.

فنقول: إن النفاق أصله من هذا؛ لأن فيه مكرا ومخادعة.

{وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا} مثل عبد الله بن أُبي، فإن عبد الله بن أُبي كان من المعارضين للخروج إلى أحد، ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم - عزم على الخروج بمشورة الصحابة، ولاسيما الذين لم يدركوا بدرًا، فهم الذين أشاروا على الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأكدوا عليه المشورة أن يخرج إلى أحد، فخرج الناس مؤمنهم ومنافقُهم، وفي أثناء

<<  <  ج: ص:  >  >>