للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن قوله بأفواههم من باب التأكيد، فهو كقوله: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} [الأنعام: ٣٨]، قالوا: لأن القول لا يكون إلا بالأفواه، ويندفع به أيضًا قول آخر أشد منه، وهو القول بالكلام النفسي، قالوا: إنه لما قيّد هذا القول بالأفواه، دلَّ على أن هناك قولًا نفسيًا، وهو ما كان في القلب، وهذا أخطر من الأول؛ لأن هذا مبني على بدعة الأشاعرة ومن وافقهم في أن كلام الله هو المعنى القائم بالنفس، وقد أبطل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هذا القول من تسعين وجهًا في كتاب سماه (التسعينية)، وأشار إليه ابن القيم في النونية.

إذن الفائدة من قوله: {بِأَفْوَاهِهِمْ} أن هذا القول ليس قولًا مطلقا؛ لأن القول المطلق ما تواطأ عليه القلب واللسان.

ويمكن أن نفرع على هذا فائدة مهمة؛ وهي أن من نطق بقول دون أن يكون له قصد في قلبه، فإنه لاغ؛ يعني أن أثر هذا النطق لاغ، كما يشهد لِذلك قوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} [المائدة: ٨٩] وهذا يفيد في مثل طلاق السكران؛ أنه لا يقع، لأنه باللسان فقط، والموسوس -نسأل الله العافية- يوسوس دائمًا أنه طلق زوجته، ربما حتى في الصلاة يقول هذا، ويعجز عن كبح نفسه، نقول: هذا الرجل لو طلق بلسانه ألف مرة فليس بشيء.

٤ - أن المنافقين يحرصون غاية الحرص على كتم نفاقهم، ولكن الله يعلم بذلك، وقد كشفهم الله بقوله: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (١٠٨)} [النساء: ١٠٨].

<<  <  ج: ص:  >  >>