للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا أن مقام النبوة أعلى من مقام الشهادة، لكن قولهم: أنه حيٌّ في قبره يُرزق، إن أرادوا أنها حياة برزخية فهذه حقيقة، وإن أرادوا أنها حياة دنيويَّة فهذا كذب ولا شك، لأنها لو كانت حياة دنيوية، ما غُسِّل ولا كُفِّن، ولا صُلِّي عليه، ولا دُفن، ولكان الصحابة رضي الله عنهم وَأدوا النبي - صلى الله عليه وسلم -، ودفنوه حيًّا، ولا يَردُ على هذا أنها تُرَدُّ عليه روحه، فيرد السلام على من سلَّم عليه (١)، لأن ردّ الروح في البدن في القبر ليس كردّها في الحياة الدنيا، بل هو رد خاص، ولذلك لا يحتاج الميت في قبره إلى طعام وشراب وهواء، وإن رُدت إليه روحه.

٦ - أن الشهداء يُرزقون وهم أموات؛ لقوله: {بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} ولكن هذا الرزق هل يحتاج إلى ما يحتاجه الناس في الدنيا؟ الجواب: لا، لأن هذا رزق أخروي، والرزق الأخروي لا يحتاج إلى ذلك، بل إن أهل الجنة باقون فيها أبد الآبدين، ولا يحتاجون إلى هذا، وإنما يخرج الطعام والشراب بصفة عرق، ولكنه ليس كعرق الدنيا أيضًا، عرق منتن كريه الرائحة، بل هو أطيب من رائحة المسك. اللهم اجعلنا منهم. هذا معنى قوله: {عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}.

٧ - أن الذين قُتلوا في سبيل الله ليسوا أمواتًا بل أحياء، ووجه الدلالة قوله: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا}، ولكن هذه الحياة ليست كالحياة الدنيا بل هي حياة برزخية.

٨ - أنه إذا ثبت هذا للشهداء فإنه يثبت للأنبياء من باب أولى، فالأنبياء أحياء، ويمتاز الأنبياء عن الشهداء، بأن الله حرم


(١) رواه أبو داود، كتاب المناسك، باب زيارة القبور، رقم (٢٠٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>